مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) (?). والمقصود من السماءِ التي كانوا يقصدونها الجو الذي يعلو الأَرض، فإِنه يسمى سماء لغة، لِسُمُوِّهِ، أَي: لارتفاعه.
وقد عرفنا من هاتين الآيتين وغيرهما من الأَحاديث أَن الجن كانوا يسترقون السمع قبل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من الملائكة في جو الأَرض، وينقلون ما يسمعون من الغيب إِلى كهان الأَصنام من أَجواف هذه الأَصنام، فيستغله الكهان ويضيفون إِليه ما شاءُوا من الأَكاذيب تقوية لزعامتهم الدينية.
وقد دلت الآيتان على أَن السماءَ - أَي: الجو الذي حول الأَرض - ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا وأَن من يستمع الآن يجد له شهابًا يرصده فيقتله، وذلك بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يسلم الوحي من أَراجيف الشياطين، كما دل عليه قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)) (?) وكما دلت عليه السنة.
وهذه الظاهرة التي وجدوها في حراسة السماءِ جعلتهم يبحثون عن سببها حتى سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأُ القرآن، ويدعو إِلى عبادة الله - تعالى - وحده فآمن منهم من آمن، وفي ذلك يقول الله - تعالى - حكاية عن هؤُلاء الجن: (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) (?).
ونزول الشهب المضيئة المحرقة ظاهرة كونية قديمة ناشئة عن انفصال أَجزاء صغيرة من هذه الكواكب وجذب الأَرض لها فتشتغل من سرعة وقوة احتكاكها بالهواءِ، والله - تعالى -