يتوعد الله - سبحانه - من خالف أَمره، وكذب رسله، ويخبر عما حل بالأُمم السابقة بسب ذلك فيقول تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ) أَي: كثير من أَهل قرية تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أَمر الله، ومتابعة رسله (فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا) بالاستقضاءِ والمناقشة لأَهلها في كل نقير (?) من الذنوب وقطمير (?) مما اقترفته جوارحهم فلا تجاوز لهم عن شيءٍ مهما قل (وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا) أَي: منكرًا عظيمًا يفوق التصور حيث لم تخطر ببالهم شدته، وتعدت الاحتمال قسوته، والمراد حساب الآخرة مع ما عجل لهم في الدنيا من العذاب بالجوع، والقحط، وسائر المصائب والبلايا.
والتعبير بالماضي في قوله: (فَحَاسَبْنَاهَا) وفي قوله (وَعَذَّبْنَاهَا) للدلالة على تحققهما كما في قوله تعالى: (وَنَادَي أَصْحَابُ الْجَنَّةِ).
ويجوز أَن يراد بالحساب إِحصاء جميع ذنوبهم وكتابتها في صحائف أَعمالهم لدى الحفظة، وبالعذاب ما أَصابهم عاجلا في الدنيا من العقاب، ويكون الإِتيان بالماضي في (فَحَاسَبْنَاهَا) وفي (وَعَذَّبْنَاهَا) على الحقيقة لوقوع الحساب والعقاب في دنياهم.
9 - {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)}:
أَي: فذاقت عقوبة عتوها وكفرها وتمردها على أَوامر الله، وكانت نتيجة ذلك خسارًا شديدًا لا خسار وراءَه، والمراد عقوبة الآخرة، وجيءَ بلفظ الماضي؛ لأَن المنتظر من وعد الله ووعيده ملقي وواقع في الحقيقة فكأَنه قد كان.
10 - {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)}:
تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها بقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ).