في تحقيق هذا المعنى: العزة غير الكبر، ولا يحل للمؤمن أَن يذل نفسه؛ فالعزة معرفة الإِنسان بحقيقة نفسه وإِكرامه عن أَن يضعها لأَمور عاجلة دنيوية، كما أَن الكبر جهل الإِنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها، فالعزة تشبه الكبر من حيث الصورة وتختلف من حيث الحقيقة كاشتباه التواضع بالضعة، والتواضع محمود، والضعة مذمومة، والكبر مذموم والعزة محمودة.
فإِن قيل: قال تعالى في الآية الأُولى: (لا يَفْقَهُونَ) وفي الآية الأُخرى: (لا يَعْلَمُونَ) فما الحكمة فيه؟ فنقول: ليعلم بالأَول (لا يَفْقَهُونَ) قلة كياستهم وفهمهم، وبالثاني (لا يَعْلَمُونَ) كثرة حماقتهم وجهلهم. (?)
قيل: عند العودة من غزوة بني المصطفي أَراد عبد الله بن أُبي بن سلول أَن يدخل المدينة فاعترضه ابنه حباب وهو عبد الله بن (?) عبد الله بن أُبي - وكان مخلصا فقال لوالده: وراءَك لا تدخلها حتى تقول: رسول الله الأَعز وأَنا الأَذَل فلم يزل حبيسا في يده حتى أَمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخليته، وروي أَنه قال لوالده: لئن لم تُقِر لله ولرسوله بالعزة لأَضربن عنقك فقال: ويحك أَفاعل أَنت؟ قال: نعم فلما رأَى منه الجد قال: أَشهد أَن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه: (جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا).