جاءَت هذه السورة بعد سورة الجمعة التي ذكر فيها المؤمنون؛ لأَنها تحكي أَحوال المنافقين الذين هم أَعداء المؤمنين، أَخرج سعيد بن منصور والطبراني في الأَوسط بسند حسن عن أَبي هريرة قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأَ في صلاة الجمعة سورة الجمعة فيحرض بها المؤمنين، وفي الثانية سورة المنافقون فيقرع بها المنافقين).
وقال أَبو حيان في مجيئها بعدها: لما كان سبب الانفضاض عن سماع الخطبة ربما كان حاصلًا من المنافقين، واتبعهم ناس كثير من المؤمنين في ذلك لسرورهم بالعير التي قدمت بالمِيرَة، إِذ كان الوقت وقت مجاعة، جاءَ ذكر المنافقين وما هم عليه من كراهة أَهل الإِيمان، وأَتبع قبائح أفعالهم بقبائح أَقوالهم.
اشتملت سورة (المُنافِقُونَ) على تكذيبهم في دعوى الإِيمان، وفي أَيْمَانِهم التي أَيدوا بها زعم إِيمَانهم، وما هم إِلا كافرون في الحقيقة صادون عن سبيل الله، وبينت أَنهم آمنوا ثم كفروا مُصِرِّين على كفرهم فطبع الله على قلوبهم وأَغلقها عن قبول الحق.
وبينت أَن مظهرهم يخالف مخبرهم، فإِن رأَيتهم أَعجبتك أَجسامهم وحسبت أَنهم أَهل نجدة وهمة وصدق، ولكنهم في الحقيقة جبناء يحسبون كل صيحة عليهم، فيجزعون لها، وبينت أَنهم هم العدو وحذرت الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، وبينت أَنهم لا يهمهم ما يثار ضدهم من ربهم من النفاق، فهم إِذا قيل لهم: تعالوا يستغفر لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لووا رءوسهم واستكبروا، وذكرت أَن الله - تعالى - لن يغفر لهم نفاقهم، سواء استغفر لهم الرسول أَو لم يستغفر لهم، وبينت أَنهم الذين يقولون: (لاَ تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّي يَنفَضُّوا) وأَنهم هم الذين يقولون: (لَئِن رَجَعْنا إِلَي الْمديِنَةِ لَيُخْرِجَنَّ