(ثانيها): لمشاكلة حاله لأَحوالهم فيكون أَقرب إِلى موافقتهم له.

(ثالثها) لينتفي عنه سوء الظن في تعليمه ما دعا إِليه من الكتب التي قرأَها والحكم التي تلاها.

ونزيد على ذلك أَن الله اختاره أُمِّيًّا، لتكون أُميَّته مؤكدة لإِعجاز القرآن، وكونه آية على صدقة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لأُمِّيَّته يحرك لسانه وينطق بالقرآن عقب سماعه من جبريل ليحفظه فلا يغيب عنه شيءٌ منه فطمأَنه الله - تعالى - إِذ تعهد أَن يجمعه في صدوره، بعد فراغ جبريل - عليه السلام - من تبليغه، وفي ذلك يقول سبحانه: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (?) وقد تضمن القرآن علوم الأَولين والآخرين، وتحدث عن الماضي والحال والاستقبال، وعن الآيات التي يستدل بها على الله، وعن أَدلة التوحيد والبعث، وأَسرار العلوم والفنون، وعن التمكين لأُمته في المشارق والمغارب، ويرحم الله البوصيري إِذ يقول:

كَفَاكَ بِالعِلْم في الأُمّي مُعْجِزة ... في الجَاهِلِيَّة والتَّأدِيب في اليتم

وقد اختار الله هذه الأُمة الأُمية؛ ليكون الرسول منهم؛ لأَنهم أَهل شجاعة وهمة، قادرون على الثبات أَمام الأَهوال، ولتظهر بهم قدرة الله، حيث حوَّل جاهليتهم إِلى علم وعرفان، يفوق ما عرفه البشر من العلوم والفنون.

وكان كل رسول يبعث إِلى قومه خاصة، ولكن محمدًا الرسول الأُميّ بُعث إِلى الناس كافة، فدان لرسالته العرب والفُرس والرُّومان وغيرهم من أَهل المشارق والمغارب، فسبحان الله القادر على ما يشاء.

وقد عينت الآية الأُمة التي بعث منها، ولم تعين الأُمم الذين أُرسل إِليهم؛ ليفهم من ذلك أَن رسالته مفتوحة لا محدودة، وقد علم عموم بعثته للعالم من قوله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (?)، وقوله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا .... ) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015