الجمهور على أَن هذه السورة مدنية، ففي صحيح البخاري وغيره عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قال "كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت سورة الجمعة" الحديث.
وإِسلام أَبي هريرة بعد الهجرة بالاتفاق، ولأَن أَمر الانفضاض عند مجئ تجارةٍ أَو لهو الذي جاءَ في آخر السورة، وكذا أَمر اليهود المشار إِليه بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) لم يكن إِلا بالمدينة.
ووجه اتصالها بما قبلها أَنه تعالى: لَمَّا ذكر حال موسى - عليه السلام - مع قومه، ونعي عليهم إِيذاهم له، وذكر في هذه السورة حال الرسول صلى الله عليه وسلم وفضل أُمته تشريفًا لهم؛ لينظر الفرق بين الأُمتين، ولذا تعرض فيها لذكر اليهود، ولأَنه تعالى لَمَّا ذكر في السورة السابقة قول عيسى - عليه السلام -: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) قال هنا: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا منْهُمْ ... ) إِشارة إِلى أَنه هو الذي بشر به عيسى، ولأَنه تعالى لَمَّا ختم السورة السابقة بالأَمر بالجهاد وسماه تجارة، ختم هذه السورة بالأَمر بالجمعة، وأَخبر أَنها خير التجارة الدنيوية، إِلى غير ذلك، من المناسبات.
حكت سورة الجمعة أَنه تعالى يسبح له ما في السموات وما في الأَرض، ووصفته بأَنه الملك القدوس العزيز الحكيم، وأَنه هو الذي بعث في الأَمِّيِّين رسولًا منهم يُعَلِّمهم الكتاب والحكمة بعد أَن كانوا في جاهليتهم في ضلال مُبين، وضربت مثلًا للذين حملوا التوراة ولم يعملوا بها، أَنهم كمثل الحِمَار يَحمل أَسْفارًا وكتبًا وهو لا يعلم ولا يعمل بها، وكذبت اليهود في زعمهم أَنهم أَولياءُ لله من دون الناس، وتحدتهم بأَن يطلبوا من الله الموت إِن كانوا صادقين؛ ليكونوا في رِحاب من أَحبُّوه، وذكرت أَنهم لا يتمنونه أَبدًا بما قدمت أَيديهم من السيئات، وأَنهم يَفِرُّونَ منه وسيلاقُونه ثم يعودون إِلى الله - تعالى - فيحاسبهم ويجازيهم.