وتسمى سورة الحَواريين، وسورة عيسى - عليه السلام - وهي مدنيَّة، ويدل على ذلك ما أَخرجه الحاكم وغيره عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفرا من أَصحاب رسول الله فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أَي الأَعمال أحب إِلى الله تعالى لعملناه فأَنزل - سبحانه -: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)}.
قال عبد الله: فقرأَها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها.
ومناسبتها لما قبلها اشتمالها على الحث على الجهاد والترغيب فيه، وفي ذلك تأكيد للنهي عن اتخاذ الكفار أَولياءَ الذي تضمنته السورة السابقة (سورة الممتحنة).
تخبر السورة الكريمة في افتتاحها بأَنَّ الله - سبحانه - نزهه عمَّا لا يليق به كُل ما في السموات والأَرض وهو العزيز الحكيم، ثم تبين أَنه لا يليق بالمؤمنين أَن تخالف أَفعالهم أَقوالهم؛ لأَن هذه ليست طباع المؤمنين الصادقين، بل هذا خلق يبغضه الله ويمحقه.
ثم ترسم السورة لوحة جميلة، وصورة مشرقة يحبها الله للمؤمنين وهم يقاتلون في سبيل الله لإِعلان الدين صفًّا واحدًا كأَنهم بنيان مرصوص، ففي اجتماعهم قوتهم، وفي اتحادهم عزتهم ثم تُسلَّي الرسول عمَّا يحدث له، بما قد حدث لرسولين سابقين عليه جاءا إِلى بني إِسرائيل وهما: موسى - عليه السلام - فآذوه مع علمهم بأَنه رسول الله لكثرة ما جاءَهم به من المعجزات فلما أصَروا على الانحراف أَمال الله قلوبهم عن الهداية والله لا يهدي القوم الفاسقين.
أَما عيسى - عليه السلام - فقد أَخبر بني إِسرائيل أَنه رسول الله إِليهم، مصدقًا لِما قبله من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعده اسمه أَحمد؛ فلما جاءَهم الرسول المُبَشِّر به بالآيات كفروا به وقالوا: هذا سحرٌ مبين، وتذكر السورة أَن بني إِسرائيل لكفرهم وعنادهم وضلالهم