وهي إِحدي سور ثلاث بدأَت بقوله تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} المائدة والحجرات وهذه السورة، والصحيح المشهور في ضبطها أَنها بفتح الحاءِ صفة للمرأَة التي نزلت بسببها، وقد تكسر الحاء على أَنها صفة للسورة، كما قيل في سورة براءَة: الفاضحة.
وترتبط بالسورة قبلها بتقارب الهدف، وتلاؤم الغرض، فقد نعت السورة قبلها على المنافقين سلوكهم المهين وتظاهرهم لليهود، وإِخوانهم الكافرين، وجاءَ في هذه السورة نهي المؤمنين من اتخاذ الكفار أَعدائهم أولياءَ يلقون إِليهم بالمودة، على أَن مضمون سورة الممتحنة يعتبر تقريرًا وتأكيدًا لما جاءَ في سورة الحشر قبلها حتى كأنها من تمامها، ولهذا استحقت أَن توضع بين سور التسابيح أَو ذوات سبح مع اختلاف مفتتحها.
بدأَت سورة الممتحنة بنهي المؤمنين على اتخاذ أَعداءِ الله وأَعدائهم من الكفار والمشركين أَولياءَ يُصَافونهم، ويصلونهم بالمودة والتعاون، كأَن ذلك ارتباط بما سبق من التعجب من أَحوال المنافقين وموالاتهم لليهود ممَّا يشير إِلي الربط بين السورتين، وهي إِذ تنهي المؤمنين عن ذلك تنبه إِلي كفر المشركين والمنافقين بما جاءَ به الرسول وكيدهم له وللمؤمنين، ليلجئوهم إِلي الخروج عن وطنهم، ويتابعون إِيذاءَهم لمجرد أَنهم آمنوا حملًا لهم على الخروج وهذا سلوك يقتضي الحذر منهم ومقاطعتهم وذلك لأَنه إِن كان الإِيمان عن صدق وعقيدة ورغبة صادقة في الانتصار للدعوة ونصرة الرسول، فإِن هولاءِ الأَعداء لا خير فيهم ولا يجدي فيهم معروف، ولا يبقون على مودة إِلَّا ضعفًا وخديعة فإِن أَمكنتهم الأَيام من المؤمنين طالت أَيديهم بالإِيذاءِ، وبسطوها بالسوءِ مع ترقب أَن يرجع المؤمنون عن دينهم، ورغبتهم أَن يعودوا كافرين.