الأول من تكليفكم بها، وهو زيادة احترامكم لرسوله، وعدم إرهاقه بكثرة المناجاة له - فإذا لم تفعلوا تقديم الصدقة، وقبل الله توبتكم بالتزامكم القصد في مناجاته، فقد رفعنا عنكم تقديمها قبل المناجاة، ونسخنا تكليفكم بها، فالتزموا المثابرة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فهما ركنان هامان من أركان الإسلام، وأطيعوا الله ورسوله في كل ما أمركم به، ومنها ما تقدم في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ) الآية والله خبير بما تعلمونه ظاهرا أو خفيًّا، فيجازكم بما يتناسب مع أعمالكم، والتعبير بلفظ (صدقات) بالجمع، مع أن المطلوب صدقة واحدة قبل المناجاة، لأن الخوف لم يكن من تقديم صدقة واحدة، بل من تكرار تقديم الصدقة في كل مناجاة، ولأن جمع الصدقة في مقابل جمع المشفقين، يقتضي القسمة آحادًا.
وفي قوله تعالى: (وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) إشعار بأنه - سبحانه - قد عذرهم ورخص لهم في ألا يقدموا صدقة.
فإن قيل: أليس الله بأعلم بأنهم لن يتصدقوا، فما معنى تكليفهم بها ثم تغيير هذا الحكم؟ فالجواب: أنه لما حصل المراد من تكليفهم بها، وهو توفير وقت الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم إرهاقه بالمناجاة الشخصية التي لا يشترك فيها المسلمون، لم تعد هناك حاجة لبقاء التكليف بها، وحسبهم عنها الزكاة التي أوجبها الله على الموسرين منهم، فهي تأديب في ثوب بر، فحيث حصل الأدب من غير تقديمها فلا داعي لبقائها، ففي الزكاة كفاية عنها.