(مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ):
أي فرجل وامرأتان موصوفون جميعًا، بأنهم مرتضون عندكم أيها المسلمون أو الحكام. أي صالحون للشهادة، لعدالتهم وأمانتهم.
وَعُلِمَ من وصف الرجل والمرأتين بذلك، وجوب أن يكون الرجلان إذا شهدا متصفين بهذا الوصف. وإنما لم يُذكر هناك، اكتفاء بذكره في أحد النظيرين هنا، ليعلم منه حكم النظير الآخر.
وقال أبو حيان: إن قوله: (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) متعلق باستشهدوا؛ ليكون قيدًا في الجميع.
(أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى):
الضلال هنا: مجاز عن النسيان.
وخلاصة المعنى: شرع الله لكم شهادة المرأتين مع رجل، بدلاً من الرجل الثاني، لإرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن نسيت.
وأصلى المعنى -حسب النص- شرع لكم شهادة المرأتين بدل رجل، خشية أن تضل إحداهما فتذكرها الأخرى. نقول: وذلك لأن النسيان غالب على طبع النساء فيما ليس من شأنهن ممارسته:
(وَلَا يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا):
أي ولا يمتنع الشهداء عن أداء الشهادة أمام الحاكم إذا دعوا إليها. وهذا تفسير مجاهد، وابن جبير.
وقيل: إن الآية نزلت في تحميل الشهادة وأدائها، وتسمية من يدعي لتحمل الشهادة شاهدًا -وهو لم يشهد بعد- على سبيل المجاز؛ لأنه مشارف لتحملها، وعلى هذا الرأي ابن عباس والحسن. قال الحسن: جمعت الآية أمرين على جهة الندب، فالمسلمون مندوبون إلى معونة إخوانهم، فإن كانت الفُسْحَةُ لكثرة الشهود والأمن من تعطيل الحق، فالمدعو مندوب، وله أن يتخلف لأدنى عذر، وإن تخلف لغير عذر فلا إثم عليه، ولا ثواب له. وإذا كانت الضرورة -وخيف من تعطيل الحق أدنى خوف - قَوِيَ الندب، وقرب من الوجوب. وإذا علم أن الحق يذهب، فقد وجب عليه أن يشهد، لأنها أمانة تقتضي الأداء .. انتهى باختصار.