التفسير
11 - 13: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُوالْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)}:
المراد بالأنام: الناس في رواية عن ابن عباس، وفي رواية أُخرى عنه وعن قتادة وابن زيد وغيرهم: الأنام: الحيوان كله - كما في مجمع البحرين. وقال الحسن: الإنس والجن. والظاهر أنها مخلوقة للإِنس والجن والحيوان والسمك، فإنهم جميعًا يعيشون فيها، وينتفعون بخيراتها، وقال صاحب القاموس: الأنام: الخلق.
وقد عقب الله هذه الآية بقوله: {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)} ففيهما تقرير للآية التي قبلها، من أن الأرض موضوعة للأنام، فقد تضمنت بعض النعم التي أعدها الله في الأرض لمنفعتهم، من فاكهة كثيرة يتفكهون بها، ونخل ذات أكمام - أي: أوعية تشتمل على الطَّلْع الذي يحوله الله إلى بلح فرطب فتمر، فيتغذون بثمارها ويتفكهون، وحَبٍّ ذي تبن وريحان، فالحب: القمح والشعير والذرة وغيرها، وهو غذاء للإنس والجن والحيوان، والتبن لغذاء الحيوان، والريحان: كل مشموم طيب الريح من النبات، منعش للنفوس كالورد والياسمين، كل ذلك وغيره أعده الله لمنفعة الأنام، فما أعظم نعم الله على خلفه وأحقه بالشكر عليها، وبذل الوسع في طاعته، ثم يخاطب الله الكافرين من الثقلين الداخلين في عموم الأَنام بقوله موبخا لهم ومنكرًا عليهم {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} الفاء في قوله {فَبِأَيِّ آلَاءِ} لترتيب التوبيخ والإِنكار بعدها على كفرهم بالنعم التي قبلها، مع أنها من موجبات الإيمان، أي: إذا كانت هذه نعمًا عليكم أيها الثقلان، فبأى نعم الله الذي رباكما تكفران، بإنكار كونها من نعم الله عليكما، أو إنكار دلالتها علي وجود الله ووحدانيته، أخرج ابن جرير والخطيب في تاريخه وغيرهما بسند صحيح: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة الرحمن على أصحابه فسكتوا، فقال: "ما لى أسمع الجن أحسن جوابًا لربها منكم؟ ما أتيت على قوله - تعالى -: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلا قالوا: لا بشيءٍ من نعمك ربنَّا نكذِّب فلك الحمد".