وقد أُسندت نعمة تعليم القرآن وغيرها من النعم إلى (الرحمن) الذي هو أحد أسماء الله الحسنى؛ لأنها من رحمته - تعالى - بعباده.
ولم يذكر في الآية مَن الذي علمه الرحمن القرآن، قيل: هو الإنسان، فإن تعليمه من نعمه - جل وعلا - على البشر جميعًا، فمن حفظه ووعاه فإنه يعلمه غيره، وهكذا إلى أن تقوم الساعة؛ لأن الله - تعالى - تعهد بحفظه.
وقيل: المراد بالإنسان محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أول من تعلمه من البشر، وهذا مآله إلى الرأى السابق؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - علمه الصحابة، والصحابة علَّمُوه من بعدهم، وهكذا.
والمراد من تعليم القرآن: تعليم ألفاظه ومعانيه على وجه يعتد به، وقد يصل العلم بمعانيه إلى العلم بالحوادث الكونية من إشاراته ورموزه، فإنه - تعالى - لم يغفل شيئًا فيه، أخرج أبو الشيخ في كتاب (العظمة) عن أبي هريرة مرفوعًا "إن الله لو أغفل شيئًا لأغفل الذرَّة والخردلة والبعوضة".
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم: عن ابن مسعود: أنزل الله في هذا القرآن علم كل شيءٍ، ولكنَّ علمنا يقصر عما بين لنا فيه.
وقال أبو العباس المرسى: جَمَعَ القرآن علوم الأولين والآخرين، بحيث لم يحط به علمًا إلا المتكلم به، ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلا ما استأثر الله به - سبحانه -.
وقال ابن عباس: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله - تعالى -.
وقال الفخر الرازى: المراد بتعليم القرآن جعل الشخص بحيث يعلم القرآن. فهذه الآية كقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} (?).
والنعمة التالية لتعليم القرآن أنه تعالى {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} وقدم تعليم القرآن على خلق الإنسان وتعليمه البيان، للإِشارة إلى أنه أفضل النعم، وأنه يبين الغاية من خلق