بأنه - عليه الصلاة والسلام - على الصواب في أفعاله وأقواله، ما اعتقد باطلا قط، وعطف قولى: {وَمَا غَوَى} على قوله: {مَا ضَلَّ} من قبيل عطف الخاص على العام.
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} أي: وما يتكلم به محمد - صلى الله عليه وسلم - من القرآن الكريم عن هوى نفسه ورأيه أصلًا إنما هو وحي من عند الله يوحيه الله إليه، وقيل المراد: ما يصدر نطقه - عليه الصلاة والسلام - في شأن الدين مطلقًا - قرآنا كان أو غيره - عن هوى بل كُلُّهُ وحي. وهناك من المفسرين من يرى أن نطق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجتهاده ليس صادرًا عن هوى النفس، وإنما هو واسطة بين ذلك والوحي، ويجعل الضمير في قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} راجعًا للقرآن الكريم، وبهذا قال العلامة الآلوسي. كأنه قيل: إذا كان هذا شأنه - عليه الصلاة والسلام - أنه لا ينطق عن الهوى فما هذا القرآن الذي جاء به وخالف ما عليه قومه، واستمال به قلوب كثير من الناس، وكثرت الأقاويل فيه. ما هو إلا وحي يوحيه الله - عزّ وجلَّ - إليه - صلى الله عليه وسلم - ليبلغه الناس.
وفي قوله - تعالى -: {وَمَا يَنْطِقُ} مضارعًا وهو ما يدل على الحال والمستقبل مع قوله - سبحانه -: مَا {ضَلَّ} {وَمَا غَوَى} بصيغة الماضي فيهما ما يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له سابقة غواية وضلال منذ ميَّز، وقبل أن يتدرج ويترقى في أمور الحياة ويتدرب عليها، وقبل أن يختاره ربه - جل وعلا - نبيًّا ورسولا فكيف به وقت أحكمته التجارب وتوجته الرسالة فهو لا شك - وهذه حاله - أبعد من أن ينطق عن هوى نفسه، أو يتكلم عن شهوة، وفي هذا الأسلوب - كما يقول العلامة الآلوسي -: حث لهم على أن يشاهدوا منطقه الحكيم.
5 - {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}:
أي: علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن الكريم وأنزله عليه من عند الله - عَزَّ وَجَلَّ - ملك شديدة قواه وهو جبريل - عليه السلام - ومن قوته أنه اقتلع قرى قوم