هذه السورة مكية كما رُوِيَ عن ابن عباس وابن الزبير - رضي الله عنه - ولم نقف على استثناء شيء منها، وهي تسع وأربعون آية.
ومناسبة أولها لآخر ما قبلها اشتمال كل منهما على الوعيد.
وقال الجلال السيوطى: وجه وضعها بعد الذاريات تشابههما في المطلع والمقطع، فإن في مطلع كل منهما صفة حال المتقين، وفي مقطع كل منهما صفة حال الكفار، ولا يخفى ما بين السورتين الكريمتين من الاشتراك في غير ذلك: كالدعوة إلى وحدانية الله وترك الشرك، وهو المقصد الأول من مقاصد القرآن، بل من مقاصد جميع الأديان.
يقسم الله - تعالى - في أول سورة الطور بخمسة أشياء لها شأن عظيم على وقوع العذاب يوم القيامة بالمكذبين، ثم تمضى آيات السورة مبينة بمعنى ألوانه وضروبه، بعض التغييرات الكونية والآيات الإلهية التي تقع في ذلك اليوم (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) ثم تنتقل إلى ذكر ما أعده الله للمتقين من جنات ونعيم وما يتلذذون به ويلقونه عن صنوف التَّكريم، حيث يلحق الله بهم ذريتهم المؤمنة ويرفعهم إلى درجتهم لتقرّ بذلك عيونهم ويتم سرورهم.
ثم تدعو الآيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المداومة على التذكير؛ فهذه رسالته في وهو - بفضل ما أنعم الله به عليه من النبوة ورجاحة العقل - ليس بكاهن ولا مجنون ولا شاعر، كما تدعوه إلى عدم الالتفات إلى ما يتقوّله عليه المتقولون، وعدم المبالاة بما يصفون به القرآن الذي عجزوا عن الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا. ثم تأخذ الآيات في توبيخ الكافرين والمشركين وتقبيح آرائهم الضالة، وتسفيه معتقداتهم الفاسدة، مظهرة ضلالهم