لا يفارقه، فكانت أخبار الجهات كلها عنده كل صباح ومساء، حتى أن العامل كان يتوهم في أقرب الخلق إليه أنه عين عليه: انتهى بتصرف.
والتجسس: هو البحث في خفية عما يكتم عنك، ومنه قيل: رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور الخفية.
والمقصود من النهي عنه في الآية أن يأْخذ المؤمنون ما ظهر من الناس، ولا يتبعوا عورات المسلمين، فلا يبحث المسلم عن عيب أخيه ليطلع عليه بعد أن ستره الله، عن أبي بَرزَة الأسلمى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته".
وجاء عن زيد بن وهب قال: أُتِيَ ابن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا، فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيءٌ نأخذْ به.
(وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا):
الغيبة: أن تذكر أخاك في غيبته بما فيه من المكاره، فإن ذكرته بما ليس فيه فهو البهتان. ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذِكرُكَ أخاكَ بما يَكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقولُ فقدِ اغتَبتَهُ، وإن لم يكن فقدْ بَهتَّهُ".
والمقصود من هذا صيانة أعراض الناس، وتركهم إلى الله فيما بينهم وبينه.
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا):
هذه الجملة تشير إلى أن غيبة المؤمن تشْبه أكل لحمه ميتًا، واستعمال أكل اللحم مكان الغيبة مأْلوف في كلام العرب، قال شاعر منهم:
فإن أكلوا لَحْمي وَفَرْتُ لُحومَهم ... وإن هدموا مَجْدِي بنيْتُ لهم مجدًا