بصوته، وأن تغضوا وتخفضوا منها، بحيث يكون كلامه غالبًا لكلامكم، وجهره باهرًا لجهركم، حتى تكون مزيته عليكيم واضحة، وسابقة ظاهرة، وامتيازُه بَيِّنًا، فلَا تغمروا صوته بلَغَطكم، ولا تبهروا منطقه بصخبكم، ولا تخاطبوه بيا محمَّد ويا أحمد، ولكن قولوا: يا نبي الله، أو يا رسول الله - انتهوا عمّا نهيتم عنه - لئلا يتأذى نفسيًّا برفعكم أصواتكم، واجتنابكم أسلوب التوقير له، فتحبط أعمالكم ويضيع ثوابكم، وأنتم لا تشعرون بذلك في دنياكم، بل تعلمونه في أُخراكم.
وإذا وصل الجهر بالصوت إلى حد الاستخفاف والاستهانة فذلك كفر - والعياذ باللهِ - فالغرض من الآية أن يكون صوت المؤمن عند خطابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خفيضًا مناسبًا لمقامه وهيبته، لكن بحيث يسمعه.
ولا يتناول النهي رفع الصوت الذي لا يتأذى به، وهو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدو وما أشبه ذلك، ففي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للعباس بن عبد المطلب لمَّا انهزم الناس يوم حنين: "اصرخ بالناس".
وكان العباس أكبر الناس صوتًا، روى أن غارة أتتهم، فصاح العباس: يا صباحاه فأُسقطت الحوامل لشدة صوته، وفيه يقول نابغة بني جعدة:
زَجْرَ أبي عُرْوَة السباعَ إذا ... أشفق أن يختلطن بالغنم
وأبو عُروة كنية العباس - رضي الله عنه -.
وقد أثنى الله على من يخفضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم المغفرة والأجر العظيم فقال:
3 - (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ):
أي: إن الذين يخفضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يكلمونه أو يكلمون غيره