فمثله كمثل تقدم الخادم بين يدي سيده في مسيره، فالمراد من الآية: لا تقطعوا أمرًا، ولا تجرؤوا على ارتكابه قبل أن يحكم الله فيه ورسوله، فإن ذلك شديد القبح كالذى يسبق سيده في سيره.
سبب النزول:
اختلف الرواة في سبب نزول هذه الآية، فقد روى الواحدى بسنده عن ابن جُرَيْج قال: حدثني ابن أبي مُلَيْكَة أن عبد الله بن الزبير أخبره أنه قَدِم ركبٌ من بني تميم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر: أَمِّر القعقاع بن معبد، وقال عمر: أَمِّر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلاَّ خلافى، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} ورواه البخاري عن محمَّد ابن الصباح.
وروى المهدوى بسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستخلف على المدينة رجلًا إذا مضى إلى خيبر، فأشار عمر برجل آخر فنزل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ).
وروى الماوردى عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفد أربعة وعشرين رجلًا من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم إلا ثلاثة تأخروا عنهم فسَلمُوا، وانكفأوا إلى المدينة فلقوا رجلين من بني سليم، فسألوهما عن نسبهما، فقالاَ: من بني عامر لأنهم أعز من بني سليم فقتلوهما، فجاء نفرٌ من بني سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن بيننا وبينك عهدًا، وقد قتل منا رجلان، فوداهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بمائة بعير في قتلهم الرجلين .. إلى غير ذلك من الأقوال، ولا نرى مانعًا من حدوث هذه الأسباب جميعًا قبل نزول الآية فلا تعارض بينها، فتكون الآية قد نزلت بشأنها جميعًا، ليلتزم أصحابها بالأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لا يُحْدثوا أمرًا قبل سؤاله وحكمه.
ويقول بعض العلماء: لعلها نزلت من غير سبب، لتكون دستورا للمسلمين في أعمالهم وأقوالهم، فلا يقدموا طاعة عن وقتها، ولا يخالفوا عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قوله فيها، فهو