وفي تعليق الدخول على مشيئة الله مع أنه - سبحانه - خالق الأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها ليُعَلِّم العبادَ أن يقولوا ذلك عندما يريدون فعل شيء أو تركه تأدُّبًا معه - جل شأنه - وتأكيدًا - لقوله تعالى -: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أن يشاء الله} (?). قال ثعلب: استثنى - سبحانه وتعالى - فيما يعلم ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون، أي: علق الدخول على مشيئته، ليفعل الخلق مثل ذلك فيما لا يعلمونه.

(آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) أي: أنكم تدخلون المسجد الحرام آمنين متمكنين من أدائكم النسك وتصلون به إلى غايته؛ يحلق بعضكم ويقصر آخرون.

هذا، والحلق أفضل وأولى بالرجال، والتقصير أحق بالنساء.

(لا تخافون) قد تكفل الله - سبحانه - لرسوله ومن معه بكمال الأمن بعد تمام النسك، أي: تدخلون آمنين تحلقون وتقصرون، ويبقى ويدوم أمنكم بعد خروجكم من الإحرام فأنتم في حفظ الله ورعايته في حال الإحرام وبعده.

(فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا) أي: فعلم الله ما في صلح الحديبية من الحكمة والخير والمصلحة لكم ما لم تعلموا أنتم به؛ عَلِمَهُ - سبحانه - واقعًا وحاصلًا، وقد علمه أزلًا قبل وقوعه وهو بكل شيء عليم.

(فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) أي: جعل الله لكم من قبل دخولكم المسجد الحرام محلقين مقصرين - جعل لكم - من دون ذلك ومن قبله فتحًا عظيمًا قريبًا هو فتح خيبر، وما أصبغ فيه من الغنائم دون قتال، أو المراد من الفتح القريب: هو صلح الحديبية الذي قال عنه الزهرى: ما فتح الله في الإِسلام كان أعظم من صلح الحديبية؛ لأنه إنما كان القتال حين يلتقى الناس، فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها وأَمن الناس بعضهم بعضًا، فالتقوا وتفاوضوا الحديث والمناظرة فلم يُكلَّم أحد بالإِسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه، فلقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015