جاءت هذه الآية الكريمة للإشارة إلى أن الاختلاف بين المؤمنين والكفار باق، والنزاع قائم، والعداوة مستمرة، ولم ينته ما بينهما بالاتفاق والصلح ومنع أَيدى كل فريق عن الآخر، إذ أَن هؤلاء لا يزالون على كفرهم، وإمعانهم في عداوتكم، فلهذا قاموا بصدكم ومنعكم عن دخول المسجد الحرام للزيارة والاعتمار، مع أنهم قد علموا أنكم لا تريدون بهم شرًّا فقد سُقْتم الهدى من البدْن إلى البيت الحرام، وعكَفْتموها وحبستموها عليه قربى وزلفى لله - سبحانه وتعالى - فقد أشعرتموها فحززتم أَسْنمتها حتى سالت منها الدماءُ ليعلم أنها هدى، فمنعوا تلك البدن أن تبلغ المحل الذي اعتاد زُوَّار بيت الله وقُصَّاده أن يذبحوها فيه وهو منى (?)، وقد سبق أن حدثهم في هذا الشأن الحليس بن علقمة الكناني، وكانوا قد أرسلوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: يا معشر قريش لقد رأيت ما لا يحل صده؛ الهدى في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، ولكن المشركين ركبوا رءُوسهم وقالوا له: اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك.
أي: أن هؤلاء الكفار قد ازدادوا كفرًا وعداوة لكم فلا تأْمنوهم، وإنما كان كف الله أيديكم عنهم بعد أن أَظفركم عليهم وأمكنكم منهم لحكمة يعلمها هو - سبحانه -.
وقد جاء بيانها في قوله - تعالى -: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ}:
أي: ولولا كراهة أن تهلكوا أُناسًا مؤمنين يقيمون بين ظهراني المشركين وأنتم غير عالمين بهم وبأَماكنهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة، كأن يقول المشركون: إن المسلمين قد فعلوا بأَهل دينهم من الإهلاك مثل ما فعلوا بنا، وكذلك ما يصيب المسلمين وينالهم عن الضيق والمشقة من أن يقتلوا إخوانهم في الإِسلام وهم عدّتهم على أعدائهم، فضلا عن الرحمة التي تسود وتعم المسلمين فهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، أي: لولا كراهة إهلاككم المؤمنين لما كف أيديكم عن قتال أهل مكة من المشركين.