ومعنى أمرهم بذوق العذاب: الاستهانة بهم والتهكم والتوبيخ لهم، وذوق العذاب تمثيل لإدراك آثاره الأليمة والإحساس بها إحساسًا لا شك فيه.

35 - {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوالْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}:

أي: إذا كانت عاقبة أمر الكفرة إنزال العذاب بهم بسبب كفرهم فاصبر - أيها النبي - على الدعوة إلى الحق ومكابدة الشدائد بما يصيبك من أذى قومك الذي أنزلوه بك وبمن اتبعك. اصبر كما صبر أُولو العزم والثبات من الرسل المجتهدين في تبليغ الوحي فلم يصرفهم عنه صارف، ولم يعطفهم عنه عاطف، وإنك من جملتهم بل من عليتهم. فكل الرسل كانوا أُولى عزم كما قال ابن عباس، ولفظ (من) على هذا للتبيين، وقيل: هي لا تبعيض، والمراد من أُولي العزم: أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها، وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاغين فيها، وقد اختلفوا في تعيينهم على أقوال: أشهرها أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فهم خمسة - قاله مجاهد - وقال مقاتل: هم ستة: نوح صبر على أذى قومه مدة طويلة، وإبراهيم صبر على النار، وإسحاق (?) صبر على الذبح ويعقوب صبر على فقد الولد، وذهاب البصر، ويوسف صبر على البئر والسجن، وأيوب صبر على الضر، وهناك أقوال أخرى كثرة ذكرها القرطبي وغيره فمن أرادها فليرجع إليها.

{وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} أي: لا تدْعُ على كفار مكة بتعجيل العذاب لهم فإنه على شرف النزول بهم يوم القيامة وهو قريب لا شك فيه {إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا} (?).

{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب الذي أمروا بذوقه لم يمكثوا في الدنيا حتى جاءهم هذا العذاب. أو في قبورهم حتى بعثوا للحساب - كما قال النقاش لم يمكثوا - إلا وقتًا يسيرًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015