{وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} أي: ولكن جعلنا القرآن الكريم وأنزلناه نورًا ونبراسًا نضىءُ به الطريق لعبادنا ليكونوا على بينة من أمرهم، ونوجد ونخلق به الهداية فيمن نريد هدايته من عبادنا فنجعله راشدًا مهديًا وذلك وفق اختيار العبد وصرف نفسه نحو الاهتداء بكتاب ربه والاهتداء بما جاء به.
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مستقيمٍ} أي: وإنك يا محمَّد لتدل وترشد إلى صراط سوى وسبيل قويم وحقيقة سمحاء ودين خالص، فهدايتك هداية إرشاد وتبليغ فحسب، قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (?) وقال - جل ثناؤه -: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} (?) وتفخيمًا لشأن هذا الصراط المستقيم وتقريرًا لاستقامته واعتداله وتأكيدًا لوجوب سلوكه نسبه - سبحانه - وأضافه إلى نفسه فقال: {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وَوَصَفَ - عز وجل - ذاته بأنه له - وحده - ما فيهما خلقًا وملكًا وتصرفًا فيما نعلم منهما وما لا نعلم فكل شيء تحت قبضته وقهر عظمته.
{أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} أي: أَلَا إلى الله وحده دون سواه ترجع أمور المخلوقات جميعًا يوم القيامة ليحكم فيها - سبحانه - بحكمه العادل وقضائه المبرم فالوسائط قد ارتفعت والناس كلهم قد جُردوا من حولهم وقوتهم فقد سلبوا الأسباب التي كانت لهم في الدنيا.
وفي هذا من الوعد للمهتدين إلى الصراط المستقيم بالثواب المقيم والفوز العظيم، كما فيه من التهديد والوعيد بالعذاب الشديد للضالين المكذبين.