التفسير
36 - {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}:
عن علي - كرّم الله وجهه - أنه قال: اجتمع لأبي بكر - رضي الله عنه - مالٌ فتصدق به كلّه في سبيل الله فَلَاَمَهُ المُسلمون وخطَّأه الكافرون فنزلت.
والمعنى: يقول الله - تعالى - مُحَقِّرا شأن الدُّنيا وزينتها وما فيها من المتاع والنّعيم (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... ) إلخ، أي: وما أُعطيتم ونلتم من زخارف الدنيا، وجمعتم من أموال، ورزقتم من بنين فلا تغتروا به، فإنما هو متاع الحياة الدُّنيا، وهي دار فانية ومتاع زائل.
وما عند الله من ثواب الآخرة ونعيمها خير في ذاته لخلوص نفعه، وأبقى زمانا، حيث لا يزول ويفنى، وقد أعدّه الله - سبحانه - للذين آمنوا وصبروا على ترك اللّذات في الدُّنيا، وعلى خالقهم ومربيهم - لا على غيره - يعتمدون في كل الأمور ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحذورات.
37 - {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}:
(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ... ) إلخ عطف على (الذين آمنوا) في الآية السابقة، وكذلك ما بعده من الآيات والمعنى: ومن صفات المؤمنين أنهم الذين يبتعدون عن كبائر ما نهى الله عنه كالشِّرك وعن كل ما عَظُمَ قُبْحه وفَحُشَ أمره كالزِّنى، وإذا ما تعرض لهم أحد بالإساءَة إليهم في الدُّنيا كانت سجيّتهم الصَّفح وسَلِيقتُهم الغفران والعفو.
والتعبير بقوله - تعالى -: (هُمْ يَغْفِرُونَ) إشارة إلى أنهم المختصون بالغفران في حال الغضب، لا يُذْهِب الغَضَبُ أخلاقهم، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حُرماتُ الله".
38 - {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}: