54 - {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}:
أي: ألا إنهم في شك عظيم من لقاء ربهم بالبعث لاستبعادهم إعادة الموتى بعد تحليل أجزائهم وتفرق أعضائهم مع أن الله على كل شيءٍ قدير، فهو واقع لا ريب فيه وكائن لا محالة لتجزى كل نفس بما كسبت {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}.
(أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) أي: إلا إن ربهم عالم بجميع الأشياء على أكمل وجه فلا تخفى عليه - عَزَّ وَجَلَّ - خافية فيجازيهم على كفرهم ومربتهم في لقاءِ ربهم، وفي الآية دفع لشكهم في إعادة ما تفرق واختلط مما يتوهمون عدم إمكان تمييزه، أي: أنه عالم بمجمل الأَشياء وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها، مقتدر عليها لا يفوته شىءٌ منها فهو - سبحانه - يعلم الأجزاءَ ويجمعها بعد أن تفرقت وصارت عظامًا ورفاتًا {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (?).
وعلماء التوحيد في ذلك على رأيين، أحدهما: ما ذكر هنا، والآخر: أنه - تعالى - يعيد الخلائق بخلق جديد؛ لأن أجزاءَهم دخَلتْ بعد تحللها في تكوين خلائق أُخرى، جيلا بعد جيل.
ويقولون: إن النعيم والعذاب للروح، وأما الجسد فهو وعاؤُها، والكسب إنما هو بها لا بوعائها، فلولا الروح لما استطاع الجسد أن يعمل شيئا, وفي ذلك يقول صاحب الجوهرة:
وقل: يُعاد الجسم بالتحقيق ... عن عدم، وقيل: عن تفريق