أَي: ثم اقتضت حكمته أَن يخلق السماء بعد خلق الأَرض وهو - سبحانه - لا يشغله شأن عن شأن فعمد إلى خلقها وقصد تسويتها ونقلها من الدخان إلى الكثافة. وهذا الدخان هو الذي يعبر عنه العلمانيون بالغاز، وكان الله قد خلقه ليكون أساسا لخلقها.

{فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} أَي: جيئا بعد أَن خلقتكما بما خلقت فيكما من النافع والصالح وأظهراه وأخرجاه لخلقى كى ينتفعوا به.

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال الله - تعالى - للسماء: أطلعى شَمْسَك وقمرَك وكواكبك، وأجرى رياحك وسحابك، وقال للأرض: شقى أنهارك وأخرجى شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين.

{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} أَي: امتثلنا أمرك طائعين.

وجمهور المفسرين يرى أَن أمر الله صدر للسماء والأرض بعد خلقهما، وفي قوله - تعالى -: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} وجهان، أحدهما: أنه قول تكلم به الله - سبحانه وتعالى - والثانى: أنه تمثيل لتحتم تأْثير قدرته - تعالى - فيهما، واستحالة امتناعهما عن ذلك، لا إثبات الطوع والكره لهما.

وقيل في قوله - تعالى - حكايته عن إجابة الأَرض والسماء: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} إن الله - تعالى - خلق الكلام في الأَرض والسماء فتكلمتا كما أراد الله، وقيل: لم يحدث منهما كلام، وإنما هذا كناية عن الطاعة والإذعان والامتثال وهو الظاهر.

وقال - سبحانه -: {طَائِعِينَ} بجمع المذكر العاقل, ولم يقل: طائعتين على اللفظ ولا طائعات على المعنى باعتبار أنهما سموات وأرضون؛ لأن الله أخبر عنهما وعمن فيهما من الذكور العقلاء فغلَّب جانبهم، وقيل: لما وصفهن بالقول والإجابة، وذلك من صفات من يعقل أجراهما مجرى العقلاء في التعبير عنهما، ومثله قوله - تعالى - حكايته عن رؤيا يوسف - عليه السلام - لسجود الشمس والقمر والكواكب الأحد عشر له {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (?) مع أَن الضمير في {رَأَيْتُهُمْ} ضمير جماعة العقلاء، وقد عاد إلى الشمس والقمر والكواكب وهي غير عاقلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015