{فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} أَي: انصرفوا عن تدبره وقبوله، والإصغاء إليه واتباعه، فلم ينتفعوا به {فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} القرآن سماع تدبر وإمعان، وقد جُعلوا لإعراضهم عنه غير سامعين له على سبيل المجاز.
5 - {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}:
وقال الكافرون لرسول الله: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} أَي: قلوبنا في أغطية متكاثفة لا ينفذ إِليها شيء مما تدعوننا إليه من الإيمان باللهِ وحده وترك ما ألفينا عليه آباءنا من عبادة الأَوثان {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} أَي: وفي آذاننا صمم فلا نسمع ما تعرضه علينا. {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} أَي: ومن بيننا وبينك حجاب منيع وساتر غليظ، يمنعنا من قبول ما جئتنا به، ومن التواصل بيننا وبينك، وهو الخلاف في الدين , لأنهم يعبدون الأصنام، وهو يعبد الله - عز وجل -.
و (مِنْ) في قوله - تعالى -: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} للدلالة على أن الحجاب مبتدىء من الجانبين بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة، ولم يبق فراغ أَصلا.
قال الآلوسي: وما حكاه الله عنهم في الجمل الثلاث: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن إدراك الحق وقبوله , وطرد أسماعهم له، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وذكر أبو حيان: أنه لما كان القلب محل المعرفة، والسمع والبصر معينين على تحصيل المعارف، ذكروا أن هذه الثلاثة محجوبة عن أن يصل إليها شيء مما يدعو إليه الرسول {فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} أَي: فَاعمل على دينك، أو في إِبطال أَمرنا، إِننا عاملون على ديننا , أو عاملون في إبطال أَمرك، والكلام على الأَول متاركة وتقنيط عن اتباعه، وعلى الثاني مبارزة بالخلاف والتحدِّى.