نفيًا أو إثباتًا، بأن نزهه - سبحانه - عمَّا يجب أن يضاف إليه، أو نسب إليه ما يجب تنزيهه - سبحانه وتعالى - عنه {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} بما ينالهم من الشدة التي تغير ألوانهم حقيقة، ويجوز أن يكون ذلك من باب المجاز لما يعلو وجوههم من الكآبة، ويلحقها من الهم والحزن، ويظهر عليها من آثار الجهل بالله - عَزَّ وَجَلَّ - في هذا اليوم العصيب.
والظاهر أن الرؤية بصرية؛ لأن ذلك أبلغ في التشهير بهم وبيان قبح حالهم، والخطاب للرسول، أو لكل من تتأتى منه الرؤية {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} أي: أن في جهنم مقرًّا ومقامًا للمتكبرين الذين جاءتهم آيات الله فكذبوا بها واستكبروا عن قبولها، والانقياد لها.
61 - {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}:
أي: وينجي لله الذين جعلوا لهم وقاية من عذاب الله بالتوحيد وفعل الطاعات - ينجيهم - بمفازتهم من العذاب لاختيارهم الهدى على الضلال {لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ} أي: لا ينالهم من أذى جهنم شيءٌ، وهذا وما بعده بيان للمفازة {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: ولا يحزنهم الفزع الأكبر، بل هم آمنون من كل فزع، ناجون من كل شر، نائلون كل خير، أو المعنى: ولا هم يحزنون على ما فاتهم من متاع الدنيا أو ذهاب نعيم كانوا يؤملونه في الآخرة.
والمفازة مَفْعَلَةٌ من الفوز مصدر ميمي، أو اسم مكان من فاز به: ظفر، أو من فاز منه: نجا.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسير هذه الآية من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحشر الله مع كل امرئ عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة وأطيب ريح، فكلما كان رعب أو خوف قال له: لا تُرَعْ فما أنت بالمراد به، ولا أنت بالمعنى به، فإذا كثر ذلك عليه قال: فما أحسنك فمن أنت؟ فيقول: أما تعرفنى؟ أنا عملك الصالح حملتنى على ثقلي فوالله لأحملنك ولأدفعنَّ عنك فهي التي قال الله: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ذكره القرطبي.