{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} تعليل للأمر بالتقوى، أو لوجوب الامتثال به أي: قل للمحسنين في هذه الدنيا على وجه الإخلاص، وهو الذى عبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن الإحسان بقوله - عليه السلام -: أنْ تعْبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
لهؤلاء المحسنين حسنة في الآخرة عظيمة لا يدرك كنهها وهي الجنة، وقيل المعنى: للذين أحسنوا في الدنيا. حسنة في الدنيا زيادة على ثواب الآخرة، والحسنة الزائدة في الدنيا الصحة والعافية والظفر والغنيمة، قال القشيرى: والأول أصح لأن الكافر قد نال نعم الدنيا.
ويقول القرطبي تعليقًا على ذلك: وينالها معه المؤمن ويزاد الجنة إذا شكر تلك النعم وقد تكون الحسنة في الدنيا الثناء الحسن، وفي الآخرة الجزاء الحسن.
{وأرض الله واسعةٌ} أي: فهاجروا فيها ولا تقيموا مع من يعمل المعاصي. وقيل المراد: أرض الجنة رغهم في سعتها، وسعة نعيمها، والجنة قد تسمى أرضًا، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} (?) والأول أظهر فهو أمر بالهجرة. {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ترغيب في التقوى المأمور بها، أي: إنما يوفى الذين صبروا على دينهم، وحافظوا على حدوده، ولم يفرطوا في مراعاة حقوقه حين امتحنوا بالآلام والبلايا التي من جملتها مهاجرة الأهل، ومفارقة الأوطان. هؤلاء يوفون أجرهم بمقابلة ما كابدوا من الصبر، يوفونه بغير حساب، والمراد المبالغة في الكثرة وهو المقصود بقول ابن عباس: "لا يهتدى إليه حساب الحساب ولا يُعرف" أي: بغير تقدير.
ولأهل البلايا نصيب أوفر ففي الحديث أنه "تنصب الموازين لأهل الصلاة والصدقة والحج فيؤتون بها أجورهم ولا تنصب لأهل البلايا، بل يصب عليهم الأجر صبا حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل النبلاء من الفضل".