التفسير
7 - {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}:
يخاطب الله عباده المصرين على الكفر بقوله: إن تظلوا على كفركم، فإن الله غنى عنكم وعن إيمانكم، وقد جاء في الحديث القدسى أنه - تعالى - قال: "يا عِبادِى لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئًا" أخرجه الإِمام مسلم.
ومع كونه - تعالى - غنيًّا عن إيمان عباده، وغير محتاج إليه، ولا إليهم، فإنه لا يرضى لعباده الكفر ولا يحبه لهم لسوء عاقبته، وما قدره عليهم إلا لسوء اختيارهم وإصرارهم عليه، وإن تشكروا نعمه عليكم بالإيمان والعمل الصالح فإنه - تعالى - يرضاه ويحبه لكم لحسن عاقبته.
ولا تحمل نفس آثمة بعملها إثم نفس أخرى، فكل امرىء بما كسب رهين، ما لم يتسبب في إثم النفس الأخرى، كالآباء الذين يسيئون تربية أولادهم، فينشئون على المعاصى مثل آبائهم، فإنهم يتحملون إثم إضلالهم منضما إلى إثم ضلالهم، من غير أن ينقص ذلك من إثم الأولاد المكلفين شيئًا، فكلٌّ مسئول عن ضلاله، وفي وجوب وقاية الأولاد من المعاصي التي تدخلهم النار، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (?).
ويختم الله الآية منذًرا ومتوعدًا بقوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}) أي: ثم إلى الله - تعالى - رجوعكم بالبعث والنشور، فيخبركم بما كنتم تعملون في دنياكم من خير فيثيبكم عليه، أو شر فيعاقبكم عليه إنه عليمٌ بما انطوت عليه الصدور من النوايا والأسرار من طاعة أو معصية فلا تخفى عليه خافية.