جهينة، وبنو سلمة، وخزاعة وغيرهم، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، فجعلوا لله الإِناث، ولأَنفسهم الذكور في قولهم: الملائكة بنات الله، مع كراهيتهم الشديدة لهنّ، ووأدهن، واستنكافهم من ذكرهنّ، وقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أَنواع من الكفر:
أحدها: التَّجْسيم لأَن الولادة مختصة بالأَجسام، والثاني: تفضيل أَنفسهم على ربهم حيث جعلوا أَقل الجنسين في نظرهم له، وأَرفعها لهم كما قال - تعالى -: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} (?).
الثالث: أنهم استهانوا بالملائكة وهم أكرم خلق الله عليه، وأَقربهم إليه، حيث حكموا عليهم بالأُنوثة، ولو قيل لأَقلهم درجة وأَدناهم منزلة: فيك أُنوثة أَو نحوها لثار لكرامته، وللبس لقائله ثوب النمر.
150 - {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ}:
إِضراب وانتقال من التبكيت بالاستفتاءِ السابق إلى التبكيت بهذا، أَي: بل أَخلقنا الملائكة إناثًا وهم معاينون لخلقهم حتى حكموا هذا الحكم الباطل، فهم من أشرف الخلائق عند ربهم، وأَعظمهم بعدا عن الأنوثة، وقوله - تعالى -: {وَهُمْ شَاهِدُونَ} استهزاء بهم، وتجهيل لهم، ومثله قوله - تعالى -: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} (?) فإن هذه الأمور لا تُعْلَم إلاَّ بالمشاهدة, إِذ لا سبيل إِلى معرفتها بطريق العقل ولا النقل، فلا بد أَن يكون القائل بأُنوثتهم شَاهد خَلقهم على هذه الصورة ليصح قوله، ولا سبيل لهم إلى ذلك.
151، 152 - {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)}:
استئناف من جهته - تعالى - غير داخل تحت الاستفتاءِ, سِيق لإِبطال أَصل مذهبهم الفاسد ببيان أَن مبناه الإفك والافتراء القبيح, من غير أن يكون لهم دليل ولا شبهة، وإِنهم لكاذبون فيما يتدينون به مطلقًا أو في هذا القول، والمعنى: تنبَّه أَيها السامع: إِنهم من كذبهم واختلاقهم ليقولون: ولد الله، بقولهم: الملائكة بنات الله، وهو المنزه