المعروف أَنبتها الله - تعالى - فَغَطَّته ووقَتْه غوائل الجو لأنها تجمع خِصالا عدَّة: برْد الظِّلِّ، ونعومة الملمس، وعظم الورق، وأَنَّ الذباب لا يقع عليها كما قيل، وكان - عليه السلام - لرقَّة جلده بمكثه في بطن الحوت يُؤْذيه الذباب، ومُماسَّة ما فيه خشونة، ويؤلمه حر الشمس، ويستطيب بارد الظل، فلطف الله - تعالى - به بذلك، وذكر الزمخشري أنه قيل لرسول الله: إنك لتحب القرع: قال: أجل هي شجرة أخي يونس.

وذكر القرطبي عن أَنس - رضى الله عنه - قال: قُدِّم للنبي - صلى الله عليه وسلم - مَرَقٌ فيه دُبَّاء وقَدِيد، فجعل يتَّبع الدُّبَّاءَ حول القصعة. قال أَنس: فلم أَزل أُحب الدُّبَّاءَ من يومئذ. أَخرجه الأَئمة - وقيل: اليقطين شجرة التين، وقيل: الموز، والأَكثر على أنه القرع، وعلى هذا يكون المولى - سبحانه - قد جعل لهذا القرع ساقًا عالية ليظلله ورقها، والله على كل شيءٍ قدير.

147 - {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}:

بعد أَن أَبَلَّ يونس من مرضه، وعُوفي من ضعفه، وصح بدنه، أَرسلناه إلى عدد كبير يقول من يراه: إِنهم مائة ألف أَو يزيدون في مرأَى الناظر، والغرض الوصف بالكثرة، وقيل: لَفْظ {أَوْ} في قوله: {أَوْ يَزِيدُونَ} بمعنى الواو، أَي: ويزيدون مع استمرار التبليغ، والمراد بقوله - تعالى -: {وَأَرْسَلْنَاهُ} ما سبق من إِرساله إِلى قومه من أهل نينوى، حين كُفْرهم قبل أَن يؤمنوا، وقيل غير ذلك.

148 - {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}:

فاستجابوا جميعًا لدعوته، وآمنوا برسالته، واتبعوا النور الذي أُنزل معه بعد أن رأوا أمارات العذاب، فأَبقيناهم مُمتَّعين بمالهم وأَملاكهم, آمنين في سربهم, وبسطنا عليهم نعمتنا إِلى الوقت المعلوم حين تنقضي آجالهم. وكان يونس لا يعلم بأَنهم آمنوا فرفع عنهم العذاب روى عن عبد الله بن مسعود أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن يونس وعد قومه بالعذاب، وأَخبرهم أن يأْتيهم إِلى ثلاثة أَيام، ففرقوا بين كل والدة وولدها وخرجوا، فجاروا إلى الله واستغفروا فكف عنهم العذاب، وغدا يونس ينتظر العذاب فلم ير شيئًا، فخرج يونس مغاضبًا، فأَتى قومًا في سفينة فحملوه .. " انظر القرطبي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015