أما تحقيق المقسم عليه فقد تكفل به قوله - تعالى - {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)} كما سنبينه بعد.
5 - {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)}:
أفادت هذه الآية أنه - تعالى - خالق السموات والأرض وما بينهما ورب مشارق الكواكب، وهذه دعوى تحمل في أعطافها الدليل عليها، فإن وجود السموات والأرض في الفضاء محفوظة من التلف مصونة من العيب، مع أداء كل كوكب ونجم وظيفته نحو غيره من الكواكب ونحو نفسه، مع عظمتها في نفسها، وعظمتها في أغراضها، وضرورة كل ذرة فيها لتحقيق أغراضها، وانطواء كل ذرة على أسرار عظيمة، كما كشفت عنه الكشوف المعاصرة، كل ذلك وغيره من أسرار السموات والأرض، يدل أوضح الدلالة على وحدة تدبيرها، ووحدة مدبرها ومنشئها، إذ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} والمشركون يقرون بذلك: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وحيث انتهى التفكير في هذا الكون العجيب إلى أن منشئه واحد، ومدبره والقائم على حفظه وأداءِ وظائفه واحد، فإن ذلك يستتبع أن إلهنا الذي يجب أن نتجه بعبادتنا إليه واحد، وهذا هو جواب القسم السابق: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)}.
وكثيرًا ما تتعرض الآيات القرآنية إلى ما بين إلى السموات والأرض كشاهد على وجود الله وربوبيته ووحدانيته كما هنا، ولا بد أنه شيء عظيم حتى يجعل القرآن الكريم وهذه الأهمية في عديد من الآيات، وقد كشف الناس منه الأشعة الكونية والجاذبية، والأَجرام الكثيرة الدائرة بسرعة رهيبة في الفضاء، والشهب والسحب والرعد والبرق والأمطار والرياح، وغير ذلك مما عرف، أَمَّا ما لم يعرف فلا ريب في أنه شيء عظيم، فسبحان من خلق ودبر، واحتجب عن العيون ذاته، وأظهرته آياته.