والمعنى: هذه - التي ترونها - جهنم التي كنتم في الدنيا توعدون بها على ألسنة الرسل والمبلغين عنهم إن اتبعتم الشيطان فيما يزينه لكم من الكفر والمعاصي كقوله - تعالى -: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)}.
4 - {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُون}:
اصلوها: أمر تحقير وإهانة لأهل النار، والمعنى: ادخلوا جهنم في هذا اليوم وقاسوا ألوان العذاب فيها بسبب ما كنتم مستمرين عليه من الكفر والمعاصي في الدنيا.
65 - {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}:
الأفواه: جمع فوه، وهو الفم، والختم عليها كناية عن منعها من الكلام، وتوفيقًا بين هذه الآية وبين آية سورة النور {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (?) أن يوم القيامة مواقف، ففي موقف تخرس الألسنة، وفي آخر تتكلم.
أخرج أحمد ومسلم وابن أبي الدنيا واللفظ له أنس في قوله - تعالى -: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} قال: "كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فضحك حتى بدت نواجذه، قال: أتدرون مم ضَحِكْتُ"؟ قلنا: لا يا رسول الله، قال: "من مخاطبةِ العبدِ ربَّه يقول: يا رب أَلم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: إني لا أُجيز عليَّ شاهدًا إلا شاهدًا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا وبالكرام الكاتبين شهودًا، فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول: بُعْدًا لكُنَّ، فعنكن كنت أناضل، وشهادة الأَيدي والأرجل عليهم دلالتها على أفعالها، وظهور آثار معاصيها عليها، وقيل: ذلك على الحقيقة، بأن ينطقها الله فتتكلم وتشهد، وهذا هو ظاهر الآية والحديث.