ويخوفهم عاقبة المخالفة والخروج على أوامر الله إلا قال مترفوها: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} أي: إنا بما جئتم به من التوحيد وغيره مكذبون لا نؤمن به ولا نتبعه، وإنما كان التكذيب طبيعة المترفين وديدنهم لما شغلوا به من زخرف الدنيا وبهجتها، وما غلب على قلوبهم منها، فهم منهمكون في الشهوات، ولأن الأديان جميعها جاءت تقرر حقوق الإنسان من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية وهذه كلها أمور ليست في مصلحتهم، كما أن الأنبياء جاءوا بمناهج من السماء، فيها أوامر ونواه، واتِّبَاع الأنبياء، والإيمان بدعوتهم يتطلب فعل الأوامر واجتناب النواهى، وهذا يشق على المترفين أولي النعمة والثروة والرياسة وأصحاب الرفاهية، ولهذه الحقيقة كان على رأس المكذبين لدعوات المرسلين ومناهج السماء المترفون الغارقون في الملاهى والشهوات من الرؤساء والجبابرة.

أما الفقراء فإن قلوبهم - لخلوها من ذلك - أقبلُ للخبر، ولأن رسالات الأنبياء تحررهم من الأغلال وذل الإسار لكبرائهم، وتقرر لهم حقوقهم، وتحقق لهم مطالبهم - لهذا كله - كانوا أشد الناس حُبًّا لها وإقبالًا عليها وتعلقا بها وتفانيا في نشرها، ولهذا تراهم أكثر أتباع الأنبياء عليهم السلام.

ولقد قرر القرآن هذه الحقيقة، وحكى عن قوم نوح قولهم له: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (?) قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين قال: كان رجلان شريكان، خرج أحدهما إلى الساحل وبقى الآخر، فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى صاحبه يسأله ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش، إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينُهم. قال: فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال: دُلَّنى عليه، - قال: وكان يقرأ الكتب أو بعض الكتب - قال: فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إلام تدعو؟ قال: أدعو إلى كذا وكذا. قال: أشهد أنك رسول الله. قال - صلى الله عليه وسلم -: وما علمك بذلك؟ قال: أَنه لم يبعث نبي إلا اتبعه أراذل الناس ومساكينهم، قال: فنزلت هذه الآية: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}: قال: فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله - عَزَّ وَجَلَّ - قد أنزل تصديق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015