سياقُهَا، والمعنى: فلما تم لسليمان ما أَنعم الله به عليه من نعم يسخرها فيما يشاءُ ويوجهها إلى إنجاز ما يريد، فلما قضينا عليه الموت، وأَوقعناه وحكمنا به عليه ظلَّ أَمر موته خفيا على الجن فَعَمِيَ عليهم بعض الوقت ما دلهم عليه إلَّا دابة الأرض وهي الأَرَضَة أَكلت عصاه التي كان متكئًا عليها جالسا على كرسيه (?)، فسقطت وخرَّ سليمان ساقطًا على الأَرض بسقوطها. روي أَن داود - عليه السلام - أَسس بنيان بيت المقدس في موضع فسطاط موسى فتوفي قبل تمامه، فوصّى به سليمان عليهما السلام - فاستعمل فيه الجن والشياطين فباشروه، حتى إذا آن أَجله وعلم به سأل ربَّه أن يُعمّي عليهم موته ليفرغوا، ولتبطل دعواهم الغيب، فقام يصلى في مصلاه متكئًا على عصاه، فقبض روحه وهو متكيءٌ عليها فبقى كذلك، وهم فيما أُمروا به من الأَعمال، حتى أَكلت الأَرَضة عصاه فخرّ ميتًا، وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه كلَّما صلى.
{فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}:
أي فلما سقط سليمان على الأَرض ميتا، وظهر أَمر موته تبينت الجن وظهر من أَمرها أَنهم لو كانوا يعلمون الغيب - كما يزعمون - لعلموا موته وقت حصوله، فلم يلبثوا بعد موته في الأَعمال الشاقة والعذاب البالغ الحد في المهانة والذل، والمراد بالجن في قوله {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} جميع الجن؛ كبراؤُهم وضعفاؤهم.
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)}