المراد من الذين أُوتوا العلم: أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذين بعدهم سالكين طريقتهم، أَو هم أَهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله، أَو هم أولئك وهؤُلاء جميعًا، والمعنى: ويرى الذين أَعطاهم الله علمًا يقينيًّا تسامى في الصدق وتمكن في القلب - يرون الذي أُنزل إليك من لدن حكيم عليم هو الصدق الخالص، والحق الثابت الذي لا مرية فيه، أَما ما يفعله المعاجزون فهو باطل وزيف لا غناءَ فيه، وما أنزل إليك يهدى ويرشد كذلك إلى طريق وصراط الله العزيز الغالب الذي لا يغالب، وهو الحميد الذي يحمد ويشكر سعى من يصدق ويعمل صالحًا فيجازيه الجزاءَ الحسن، وفي هذا الأُسلوب الحكيم تنبيه وإرشاد إلى الالتجاء إلى الله رهبة من انتقام العزيز ورغبة في فضل وعطاء الحميد، وتثبيت لقلب نبيه، وبشارة له بأَنه ناصر دينه وناشره وحافظه، وخاذل أَعدائه ومهلكهم.
7، 8 - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ. أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ}:
لما عجز الكفار في أمر الساعة عن مقارعة الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان لجأُوا إلى أُسلوب العاجز وهو السخرية والسفه والإثارة، فقال فريق منهم لفريق آخر - استهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستبعادًا لأَمر البعث -: هل ندلكم على رجل منكم يحدثكم بأُعجوبة من الأَعاجيب، وأَمر مستبعد غريب، وهو أنكم إذا صرتم رفاتًا وترابًا، ومزق الفناءُ أجسادكم كل ممزق، وبدد البلى أجزاءَكم كل تبديد - ينبئكم - أَنكم تبعثون وتعودون خلقًا جديدًا سويًّا.
وإمعانًا منهم في السخرية والاستهزاء تجاهلوا اسم رسول الله وأتوا به نكرة كأَنه ليس معروفا لديهم.
ثم هم مع ذلك يتغافلون عن شأنه - وهو بينهم الصادق الأمين - فيقولون: أَهو مفتر وكاذب فيما يدعيه على الله وينسبه إليه، أَم به جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه؟ فيرد الله عليهم بقوله: {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} إضراب عن الأمرين ودحض لهما جميعًا أي: ليس الأَمر كما يفتري الكافرون، فالرسول - عليه الصلاة والسلام -