أبدع نظام، وخلقها في أحسن إحكام، فهو - جل ثناؤه - يحمد في الدنيا وهو الحقيق بذلك الحمد وإن كان يحمد فيها غيره ويشكر سواه؛ فإن ذلك راجع إلى أَن غيره يكون سببًا وطريقًا إلى وصول نعم الله وانتهائها إلى المنعم عليه بها، فالمنعم في الحقيقة هو الله، أما في الآخرة فهو المستحق للحمد وحده فقد قطعت الأَسباب، وكل نفس بما كسبت رهينة، وهو - سبحانه - مختص بالحمد لما أَعده لعباده من نعيم مقيم، وتفضل بعفوه عن بعض الخطائين المذنبين، ولعدالته المطلقة مع خلقه أَجمعين {وَهُوَ الْحَكِيمُ} الذي أتقن كل شيءٍ صنعا، وأحسن كل كائن خلقًا وإبداعًا {الْخَبِيرُ} ببواطن الأُمور المحيط بكل شيءٍ علمًا.
2 - {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ}:
يدرك ويحيط بكل ما ينفذ إلى باطن الأَرض من ماءٍ يتخلل أَجزاءَها، وجذور تتعمق في جوفها، كما يعلم ما يأْوي إلى جوفها من هوام وحشرات ودواب، وغير ذلك مما يخطئه العد والحساب وسبحانه يعلم ما يخرج من بطنها إلى سطحها من نبات ومعادن، وماءٍ ونفط وغير ذلك مما يكون حياة وخيرًا كالرزق الحسن، أو عذابًا مدمرًا كالبراكين والزلازل، ويعلم - سبحانه - ما ينزل ويهبط علينا من أَجواءِ الفضاءِ كالملائكة التي تتنزل بالرحمات والخير للطائعين المخبتين أو تنزل بالعذاب والنكال على الطاغين المجرمين، ويعلم ما ينزل من الضوء والحرارة والأشعة والشهب والأَمطار والثلوج، ويعلم - جل شأْنه - ما يصعد ويعرج في السماء من كلم طيب وعمل حسن، وملائكة تصعد بأَعمالنا، وغازات وبخار، وصواريخ ومركبات وموجات لا سلكية، وأضواءَ منعكسة من الأرض إلى غير ذلك مما يعلمه علام الغيوب.
وهو الكامل الرحمة الذي أمد الناس بنعمه الجليلة، وهو - سبحانه - مع كامل رحمته واسع المغفرة. كما قال - سبحانه -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا