جَبَلٍ}. ثم قال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} قال القفال: فإذا تقرر أَنه تعالى يضرب الأَمثال، وورد علينا من الخبر ما لا يُخرَّج إلاَّ على ضرب المثل وجب حمله عليه: اهـ (?).

والمراد من حمل الإنسان لها قبوله الالتزام بأَدائها. إما بإعداد الله له بما زوده من ملكات وغرائز وطبائع وما غرس فيه من قدرات. وإما بقبول ذلك قولًا يوم أن أخذ الله عليه الميثاق وهو في عالم الذر، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (?) وكان قبول الإنسان القيام بها يقتضي أن يشمر عن ساعد الجد، ولكن الإنسان كان شديد الظلم لنفسه فقد ترك الأَمانة ولم يقم بحقها، وفرط في جنب الله فلم يلتزم بالمسلك السوي والطريق المستقيم، وكان كثير الجهل غارقا في بشريته مطيعًا لهواه ونفسه الأَمارة بالسوءِ، ومكن منه الشيطان ولم يتبصر ويدرك ما ينتظره وما يؤُول إليه أمره من عذاب أَليم وعقاب مقيم، فكان في جهالة جهلاء، والمراد من الإنسان في الآية الكريمة معظم هذا النوع وأَكثره، إذ هناك من الناس من قام بنصيب وافر وحظ عظيم من أَداء الأَمانة والقيام بالتكاليف، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (?).

وللزمخشري صاحب الكشاف رأْي جدير بالتسجيل والتنويه به؛ فقد قال: والمراد بالأَمانة الطاعة؛ لأَنها لازمة الوجود كما أن الأمانة لازمة الأَداء؛ وعرضها على الجمادات وإباؤُها وإشفاقها مجاز، قال: إن هذه الأَجرام العظام من السموات والأَرض والجبال قد انقادت لأمر الله - عز وعلا - انقياد مثلها، وهو ما يتأَتى من الجمادات وأَطاعت له الطاعة التي تصح منها وتليق بها حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته إيجادًا أو تكوينًا وتسوية على هيئات مختلفة، وأَشكال متنوعة كما قال تعالى: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (?) وأَما الإِنسان فلم يكن حاله فيما يصح منه من الطاعات، ويليق به من الانقياد لأَوامر الله ونواهيه وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع وأما حمل الأَمانة فمن قولك: فلان حامل الأَمانة ومحتمل لها، تريد أَنه لم يؤَدها إلى صاحبها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015