ليستردوا بلادهم، فذهب جمع منهم برياسة حييّ بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - ووعدهم أن يقاتلوه معهم، ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم، فخرجت قريش مع أحابيشها وبنو غطفان، فلما علم الرسول بخروجهم في حشدهم الكبير برياسة أبي سفيان، استشار أصحابه: أيمكث بالمدينة أم يخرج لقتالهم خارجها؟ فأَشار عليهم سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة من الحرَّة الشرقية إلى الحرة الغربية، فإنها هي الجهة التي تعتبر عورة ومدخلا للمدينة، أما بقية حدودها فمشغولة بالنخيل والبيوت، فيصعب على العدو القتال من ناحيتها، فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكل عشرة أربعين ذراعًا ليحفروها، وقاسى المسلمون شدائد وصعابًا في حفرها، حيث لم يسبق لهم حفر الخنادق في حروبهم، ولم يكونوا في سعة من العيش حتى يتيسر لهم العمل، وعمل معهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان ينقل التراب متمثلا بشعر عبد الله بن رواحة:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأَنزلَن سكينة علينا ... وثبت الأَقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أَبينا
ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب بعسكره في الجهة الشرقية، مسندًا ظهره إلى جبل سلع المطل على المدينة، أما قريش وأحابيشها فنزلوا بمجمع الأَسيال، وأما غطفان فنزلت جهة أُحد، وكان الخندق فاصلا بين الرسول وبين أعدائه.
وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم النساءُ والذراري في الآطام (?)، واشتد الخوف عند المسلمين، وتجلى نفاق المنافقين في هذه الغزوة، فانسحبوا من المعركة معتذرين بأَن بيوتهم عورة {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} وكانوا يقولون: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}.