للناس جواز التبني الذي كان معمولًا به في الجاهلية قبل نسخه بهذه الآية وما قبلها، ولو خالف الإنسان هذه الآية، فدعا غيره إلى أبيه بالتبني، فإن كان على جهة الخطأ، بأن سبق لسانه إليه فلا إثم عليه، لقوله - تعالى -: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ولا يجري هذا المجرى من غلب عليه اسم المتبني، كما هو الحال في المقداد بن عمرو، فقد غلب عليه لقب المقداد بن الأسود، فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية وعرف به، فلما نزلت الآية قال المقداد: أنا ابن عمرو، ولكنه لصق به لفظ (ابن الأسود) بعد نزولها، وكذلك سالم مولى أبي حذيفة فإنه كان يدعى لأبي حذيفة بعد نزولها، وغيرهما، ولم يحكم أحد بإثم من كان يقول هذا لغلبته على صاحبه.

وذلك غير ما حدث لزيد بن حارثة، فإنه لما نزلت الآية قطع الناس نسبه إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - بالبنوة، وعزوه إلى أبيه حارثة، فإن نسبه أحد بالبنوة إلى محمد بعد نزولها متعمدًا كان آثمًا، لقوله - تعالى -: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} أي: فعليكم الجناح والإثم، قاله القرطبي، ثم قال في المسألة السادسة: روى الصحيح عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة، كلاهما قال: سمعته أُذناي ووعاه قلبي، محمدًا (?) يقول: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام".

أما قول الكبير للصغير: أنت ابني على سبيل التحنن والشفقة فلا حرمة فيه، ولكن بعض العلماء يرى كراهته، لما فيه من التشبه بالكفرة.

وحكم التبني بقوله: (هو ابني) عند الحنفية، أنه إن كان عبدًا عتق عليه، ولا يثبت نسبه منه إلا إذا كان مجهول النسب، وكان بحيث يولد مثله لمثله، وعند الشافعية: لا عبرة بالتبني لا في العتق ولا في النسب (?).

المعنى الإجمالي للآية: انسبوا من تبنيتموهم إلى آبائهم الحقيقيين، فإن لم تعلموا آبائهم يقينًا فهم إخوانكم في الدين وأولياؤُكم فيه، فقولوا: هذا أخى ووليي في الدين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015