وفي نصرهم على فارس أخبار طويلة لا مجال هنا لذكرها ومناقشتها وتحقيق الحق فيها، وحسب القارئ ما ذكرنا، ومن شاء المزيد فليرجع إلى المطولات.
واستدلت الحنفية بما حدث بين أبي بكر وأبي بن خلف على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب، وأجيب بأنه كان قبل تحريم القمار.
والآية ما دلائل النبوة؛ فإن الهزيمة التي ألحقتها فارس بالروم ألجأتهم إلى عقر دارهم، وأفقدتهم جميع الأقاليم التي كانت لهم في آسيا، وجعلتهم من الضعف بحيث لا يظن أحد أن تقوم لهم قائمة بعد هذه الهزيمة النكراء، فإذا نزل القرآن مبشرا بنصرهم ومحددا موعد هذا النصر بأنه في بضع سنين، وتحقق هذا النصر في موعده، فإنه دليل على أنه من عند الله، وليس من عند محمَّد كما زعم أعداءُ الإسلام، فإنه لا يقدم على مثل هذا الوعد الخطير إلاَّ من هو مؤيد من العليم الخبير.
والمعنى الإجمالي لهذه الآيات: الم. غلبت فارس الروم في أقرب أرض الروم إلى بلاد العرب، أو إلى بلاد الفرس، أو إلى بلاد الروم الأصلية، حيث وصلت هزيمتهم إلى مشارف القسطنطينية وحوصروا فيها مدة طويلة، والروم من بعد ما غلبهم الفرس سيغلبون الفرس خلال بضع سنين، لله الأمر من قبل كونهم مغلوبين للفرس، حيث سلط الفرس عليهم فهزموهم وغلبوهم، ولله الأمر من بعد ما غلبهم الفرس، حيث أمدهم بأسباب نصره، فأصبحوا ظاهرين على الفرس فغلبوهم واستردوا الأرض منهم، فالنصر والهزيمة لكلتيهما بأمر الله وحكمته حسب قانونه الذي أجراه بين عباده: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} ويومئذ تغلب الرومُ فارسَ يفرح المؤمنون بنصر الله، حيث نصر من له كتاب على من يعبدون غيره، وملأ بالأسى والحزن قلوب كفار مكة الذين كانوا من قبل شامتين، ينصر الله بفضله من يشاء نصره من عباده، على عدوه، وهو العزيز الغالب فلا يعجزه نصر من يشاء على عدوه مهما كان أمره لحكمة يراها في نصره، الرحيم باللطف بالمغلوب، وتهيئته لقبول القضاء، أو بإصلاح حاله واستعادة مكانه.