يخبر - سبحانه - عن عبده ونبيه شعيب أنه خاطب أهل مدين، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك ده، وأن يخافوا يوم القيامة، حيث قال لهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ}: أي خافوا ما ينزل بكم فيه من فنون الأهوال والشدائد، واعملوا اليوم الأعمال التي تؤمنكم غائلته وقسوته، قال يونس النحوي وأبو عبيدة: الرجاء هنا بمعنى الخوف والخشية، أي: اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال.
ثم نهاهم - سبحانه - عن العثو في الأرض قاصدين الفساد ظلما وبغيًا على أهلها، وكانوا ينقصون المكيال والميزان، ويقطعون الطريق على الناس، مع كفرهم بالله ورسوله، وذلك أشد الفساد وأبشعه، فقال لهم: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ولما لم يعد لتهديده أثر حيث استمروا مندفعين في اقتراف آثامهم، نزل بهم من العذاب ما حكاه الله بقوله:
37 - {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}:
أي: أصابتهم زلزلة شديدة دمرت عليهم ديارهم وأرضهم، وقيل، صاح بهم جبريل - عليه السلام - صيحة أحدثت الرجفة بسبب تحريكها للهواء، فأصبحوا بسبب ذلك باركين على ركبهم ميتين (?).
{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}