بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العنكبوت مكية - قيل: هي آخر ما نزل بمكة - فيكون ذكر شيءٍ عن المنافقين فيها من باب الإخبار بالمغيبات عن مجتمع المدينة، وذكر الجلال في وجه اتصالها بما قبلها: أن الله - تعالى - أخبر في سورة القصص، التي قبلها بما كان من فرعون واستعلائه على قومه، وجعلهم شيعًا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءَهم ويستحيى نساءَهم، ويسومهم سوءَ العذاب فافتتحت سورة العنكبوت بذكر المؤمنين الذين فتنهم الكفار، وعذبوهم بعذاب دون ما عذب به فرعون بني إسرائيل تسلية لهم بذكر ما وقع بمن قبلهم، وحثًا لهم على الصبر وتحمل الأذى، كما يشير إلى ذلك قوله - تعالى -: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم}. كما أن من المناسبة أيضًا ما أشارت إليه الآيات في خاتمة سورة القصص، من هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} على بعض الأقوال، وما أَشارت إليه سورة العنكبوت من هجرة المؤمنين في قوله - تعالى -: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ}، هذا، وقد ختمت سورة القصص بما يفيد هلاك جميع المخلوقات، ورجوعهم إلى الله، فكان من جميل النسق أن تبدأَ سورة العنكبوت بعدها بتوجيه المؤمنين إلى الصبر على ما يتعرضون له من الأذى، وما يُفتنون به من بلاء المشركين، ليكون لهم جزاءُ الصابرين، وعقبى المتقين.
بدأت السورة بذكر ما يتعرض له المؤمنون من الفتن، وما يواجههم من عنت وإرهاق وتعرض لفتن كثيرة جرت عليها سنة من قبلهم من المؤمنين حيث أُوذوا من الكافرين برسلهم ليتبين الذين صدقوا، ويُعلَم الكاذبون، ثم حثت الآيات على التمسك بالعقيدة، والعمل الصالح استعدادًا للقاءِ الله، ونبهت إلى جميل الجزاء، وحسن الثواب لمن أقام على عمل الصالحات التي من جملتها الإحسان إلى الوالدين، واصطناع المعروف معهما مهما كان شأْنهما، وحذرت من ضعفا الإيمان ضعفًا تهزه الحوادث، ويذهب به التعرض للأذى والفتن.
ثم انتقلت الآيات إلى طرف من قصص نوح وإبراهيم ولوط مع قومهم في بيان يطول ويقصر، حتى انتهت إلى قصة شعيب - عليه السلام - مع أَهل مدين.