قال القرطبي: ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعرى أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: - "ثَلاثَةٌ يُؤَتَؤْنَ أجْرَهُم مَّرَّتَينِ: رَجُلٌ من أَهْلِ الْكتَابِ آمن بنبيِّهِ وأَدْرَكَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتَّبَعَهُ فله أَجْرَانِ، وعبْدٌ مملُوكٌ أَدَّى حَقَّ الله - عزَّ وجَلَّ - وحقَّ سَيِّده فَلَهُ أجْرَان، وَرَجُلٌ كانت لَهُ أَمَةٌ فغذَّاها فأحسن غذاءَها، ثم أَدَّبها فأحسن أَدبها، ثم أعتقها وتَزَوَّجها فله أَجران" أخرجه مسلم في كتاب الإِيمان، والبخاري بلفظ مختلف.
قال العلماء: وكما أنهم يؤجرون على صبرهم، فإنهم يؤجرون على دفعهم المعصية بالطاعة قال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها" أو يدفعون بالاحتمال والكلام الحسن الأذى، فهو وصف لهم بمكارم الأَخلاق، أي: من قال لهم سُوءًا لا يَنُوه وقابلوه من الخلق الحسن بما يدفعه، كالإعراض ولين الحديث.
وأثنى عليهم ربهم بأنهم ينفقون من أموالهم التي كسبوها من الحلال في الطاعات وفي سبيل الخير، ويبذلون مما رزقهم الله من كسب طيب فما سبيل الله، ولتخفيف آلام المرضى والمحتاجين.
55 - {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}:
أي: يؤتيهم الله أجرهم مرتين على ما تقدم بيانه بن الصفات الكريمة، وعلى إعراضهم عن اللغو، وإذا سمعوا ما قاله المشركون من سَقَطِ القول وبذيئه أعرضوا عنه ولم يشتغلوا به، كما قال - تعالى -: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (?). {وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}: أي قالوا متاركين لهم على سبيل التوديع لا على سبيل التحية: سلام عليكم وَأَمْنٌ منا لكم، فإنَّا لا نحاوركم ولا نُسَابُّكم {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}: أي لا نطلب الجاهلين والسفهاءَ للجدال والمراجعة والمشاتمة ولا نريد صحبتهم ومخالطتهم، وهذا تعليل لمتاركتهم.
قال ابن إسحق في السيرة: قدم على رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وهو بمكة - عشرون (?) رجلًا أو قريب