وأخرج البخاري في صحيحه (?) عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقد كان فيما كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتى منهم أحد فعمر". وقد سلمت الملائكة على عمران بن حصين ولم يكن نبيًّا - نقله القرطبي.

ويقول مجاهد: كان الإيحاء بالرضاعة والإلقاء في اليم عند الخوف عليه - كان ذلك - قبل الولادة, وقال السدى: لما ولدت أم موسى أمرت أن ترضعه وتصنع به ما في الآية، وهذا وذاك من باب الاجتهاد.

ويروى أنها صنعت له تابوتا من نبات البردي، وقَيَّرَتْهُ بالقار، فلما خافت عليه ألقته في النيل، وكان فرعون قد استشار جلساءه فيما يصنعه ببنى إسرائيل، فأشاروا عليه بقتل مواليدهم من الذكور ففعل، روى عن ابن عباس أنه لما استحرَّ القتل فيهم قالوا: إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم والصغار يذبحون، فتحرمون من خدمتهم، وتقومون بما كانوا يقومون به، فاقتلوا عامًا كل مولود ذكر، ودعوهم عاما فلا تقتلوا منهم أحدا، فيشب الصغار مكان من ماتوا من الكبار، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون فتخافوا مكاثرتهم إياكم، وكانوا قد كثروا بمصر واستطالوا على الناس وعملوا بالمعاصي، فسلط الله القبط عليهم، فأجمعوا أمرهم على قتل ذراريِّهم الذكور عاما وتركهم عاما، فحملت أُم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة، فلما كان من قابل حملت بموسى - عليه السلام - فكان من أمره ما قصَّ الله - تعالى -.

وقد اشتملت هذه الآية على أعلى صور البلاغة، يروى أن امرأة أنشدت شعرًا فمدح الأصمعى فصاحتها وبلاغتها، فقالت: أبعد قوله - تعالى -: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ... } وقد جمعت بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.

وتفصيل ذلك: أن {أَوْحَيْنَا} و {خِفْتِ} خبران، و {أَرْضِعِيهِ} و {فَأَلْقِيهِ} أمران، {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} نهيان، و {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} بشارتان، فما أعظم وأبلغ القرآن، إذ يجمع كل ذلك في هذه الآية القصيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015