ثم عابَتْ هذه السورة عليهم أنهم لما جاءهم القرآن الحق من عند الله معجزة لنبيهم محمَّد، سألوه أن يأتيهم بكتاب من السماء جملة واحدة، كما جاء موسى قومه بالتوراة جملة واحدة، فأفحمهم الله بأنهم كفروا بما أوتى موسى من قبل قائلين: {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} فلا همَّ لهم إلاَّ المكابرة والعناد، ثم بينت أن بعض أهل الكتاب لما تُلِيَ عليهم آمنوا به قائلين: {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا} وأنهم إذا سمعوا لغوهم فيه أعرضوا عنه, ثم نعت عليهم شركهم، وذكرت أن الله تعالى أمر نبيه أن يستخبرهم عمن يأتيهم بضياء يبصرون فيه إن جعل الله عليهم الليل مستمرًّا وسرمدًا إلى يوم القيامة، أو يأتيهم بليل يسكنون فيه إن جعل عليهم النهار كذلك؟ وأنه - تعالى - هو الذي تفضل عليهم برحمته فجعل لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليبتغوا فيه من فضله ولعلهم يشكرون وأنه سوف يناديهم يوم القيامة فيسألهم: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} وأن الحق سوف يظهر لله عليهم، بشهادتهم على أنفسهم.
ثم حكت قصة قارون, فبينت أنه من قوم موسى، فلما أغناه الله بغى عليهم وطغى وأعرض عن الآخرة، وزعم أن ما أُوتيه على علم عنده، فلم يسند الفضل فيه لرب العالمين، فخسف الله به وبداره الأرض، وما نفعه ماله ولا كبرياؤه ولا أتباعه، ثم ذكرت أن الدار الآخرة يجعلها الله للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين.
ثم تحدثت عن فضل الله وعدله في قضائه يوم القيامة، فذكرت أن: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. ثم ختمت السورة بدعاء كل مكلف إلى توحيد الله: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.