وعلى هذا يكون المعنى: فتبسم بادئًا في الضحك، ومن اللغويين من قال: التبسم: ابتداءُ الضحك، والضحك يشمل الابتداءَ والانتهاءَ، ومنهم من قال: هما سواء، وعلى الرأيين الأخيرين يكون لفظ (ضاحكًا) حالًا مؤكدة، والراجح الفرق بين التبسم، والضحك: والمَبْسِمُ: الثغر، وهو مقدم الأسنان (?) والتبسم: ضحك الأَنبياء في غالب أَمرهم، وفي الصحيح عن جابر بن سمرة - وقيل له -: أَكنت تجالس النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم كثيرًا، كان لا يقوم من مُصَلَّاهُ الذي يصلى فيه الصبح - أَو قال: الغداة - حتى تطلع الشمس، فإِذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون ويأْخذون في أَمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم.
وقد وردت أَحاديث تفيد أَن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يضحك أحيانًا، والذي يؤْخذ من مجموع ألاحاديث أَن تبسمه كان أَكثر من ضحكه، وأَنه ربما ضحك حتى تبدو نواجذه، لكن من غير قهقهة، وفي كون التبسم غالب أحواله عند السرور يقول البوصيرى مادحًا:
سَيِّدٌ ضَحِكُهُ التَّبَسُّمُ وَالْمَشْـ ... ـيُ الْهُوَيْنَا وَنَوْمُهُ الْإِغْفَاءُ
ومعنى الآية: فتبسم سليمان - عليه السلام - من أَجل قولها، سرورًا بما أَلهمها الله إياه من حسن حاله وحال جنوده، وابتهاجًا بما خصه الله به من سماع قولها وإدراك مقصدها منه، وتعجبًا من حذرها وتحذيرها جماعتها وإِدراكها مصالحها، وقال: يا ربي أَلهمنى أَن أَشكر ما أَنعمت به عَليَّ وعلى والديَّ من جلائل النعي الدينية والدنيوية، واكفُفْنى عن التقصير في شكرها، ووفقنى إِلى أَن أَعمل صالحًا ترضاه من مثلى، وأَدخلنى برحمتك في جملة عبادك الصالحين الذين هم أهل لرضوانك والفوز بجناتك، يقول. ذلك هضمًا لنفسه ووالديه واعتبارهم مقصرين عن درجة الصالحين مع أَنه وأَباه داود - عليه السلام - من خيرة المرسلين، وأُمه زوجة نبي وأُم نبي، فكيف لا يكونون في قمة الصالحين، ولكنه تواضع الكاملين - عليه السلام -.