كونها أُممًا أَمثالنا، بل بين أَن فيها قادة ينذرونها ويرشدونها، فقد قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (?) وقد ضرب الله مثلًا لهذا النذير ووظيفته بقوله: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} (?).
وقد سبق القرآن الكريم بذلك جميع الكشوف العلمية، وأيدته المشاهدة، فالنحل له ملكة تدبر أَمره، وتسوسه، وبلغ من دقة إِدراكه أَنه يصنع بيوتًا مسدسة الأَضلاع لتجميع عسله فيها؛ بمقاييس في غاية الدقة، واختيار المسدس دون غيره؛ لأَنه هو الشكل الوحيد الذي لا توجد فرج بين وحداته داخل الِإطار.
وبالجملة فدراسة مملكة النحل وأُمته تحير الأفكار، ومثلها النمل وجميع الكائنات الحية.
ومن أغرب ما نشاهده في موسم الشتاء بمصر، تلك الطيور التي تفد علينا من المناطق الشديدة البرودة، طلبًا للدفء والرزق في بلادنا، وفي مقدمة كل طائفة نذيرها ومرشدها وهي تطير على هدى إدراك داخلي أَقوى من (الرادار) في حين أَنها لم يسبق لها الحضور إِلى بلادنا.
وكثير من الحيوانات يدرك مجىءَ الزلازل قبل حضورها، وتكون له حركات تشنجية منذرة بها، في حين أن الإنسان لا يستطيع أن يدركها بحسه قبل أن تفاجئه.
وقد أَيدت الكشوف والدراسات العلمية ما صرح به القرآن العظيم منذ أَكثر من أربعة عشر قرنًا، فما أعظم القرآن، وصدق الله إذ يقول فيه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (?).
ومن أغرب الكشوف العلمية، أن للنيات إِحساسًا وإدراكًا لما يحدث فيه أَو حوله، فقد صنعت آله تسجيل على أَعلى مستوى من الدقة، وسجلت أَنين الشجرة إِذا قطع منها غصن، أَو نقلت شجرة مجاورة لها إِلى جهة أُخرى.