علمًا فعملا به وعرفا حق النعمة فيه، وقالا: الحمد الله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين (?).
وفي الآية دليل على أن العلم من أجل النعم، حيث شكرا الله على إيتائهما إياه، ولم يذكرا معه سواه من سائر النعم التي أنعم الله بها عليهما من الملك وغيره، فإن العلم هو أَساس جميع النعم، وفيها حث للعالم على شكر الله، وأَن لا يتكبر بما أُوتيه من العلم وآثاره على الناس، فيقول ما قاله قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} (?)، كما فيها حث له على أن يعلم أنه وإِن أُعطى من العلم ما يفضل به كثيرًا من الناس، فقد فضل الله به غيره عليه، فإن العلم لا غاية له.
ومعنى الآية: ولقد أعطينا داود وابنه سليمان علمًا بشئون الدين والدنيا يناسب ما أَعطينا كليهما من النبوة والملك، وقال كل منهما: الحمد لله الذي فضلنا بهذا العلم على كثير من عباده المؤمنين الذين لم يعطوا منه مثل ما أعطينا.
16 - {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}:
المراد من ميراث سليمان داود: أنه صار نبيًّا وملكًا بعده، فوراثته إِياه مجاز عن ذلك، ولم يرث عنه المال، قال - صلى الله عليه وسلم -: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث". رواه أبو بكر وعمر أمام جمع من الصحابة ولم ينكر عليهما أحد، وهم الذين لا يخافون في الله لومة لائم، وأَخرج أبو داود والترمذي عن أبي الدرداءِ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِن العلماءَ ورثة الأَنبياءِ، وإِن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا ولكن وَرَّثُوا العلم، فمن أَخذه أخذ بحظ وافر".
والمراد من الناس: أَهل مملكته، ومن منطق الطير: لغته التي يتخاطب بها بصوت أَو بإشارة، وكان يعرف لغة الحيوانات والحشرات، ومن ذلك ما روته هذه السورة من قصة الهدهد والنملة.