النار: نور الله - عَزَّ وَجَلَّ - نادى الله موسى، وهو في النور - قال القرطبي - وتأويل ذلك: أَن موسى - عليه السلام - رأَى نورًا عظيمًا فظنه نارًا، وهذا لأَن الله - تعالى - ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار، لا أَنه يتحيز في جهة، ومثله كمثل قوله - تعالى -: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} (?) فإنه - سبحانه وتعالى - لا يتحيز فيهما، ولكن يظهر في كل فعل فيعلم به الفاعل، وعلى هذا يكون {بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} بمعنى قُدِّسَ مَنْ فِي النار سلطانه وقدرته وكلامه: انتهى بتصرف يسير.
ثم نقل القرطبى عن سعيد بن جبير كلامًا يشبه كلام ابن عباس وابن كعب، إِذ قال: كانت النار بعينها فأَسمعه الله كلامه من ناحيتها، وأظهر له ربوبيته من جهتها، قال القرطبي: وهو كما روى أنه مكتوب في التوراة: (جاءَ الله من سيناءَ وأَشرف من ساعير، واستعلى من جبال فاران) (?) فمجيئه من سيناء بَعْثُه موسى، وإِشرافه من ساعير بَعْثُه المسيح منها، واستعلاؤه من فاران بَعْثُهُ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وفاران (مكة) وسيأتى في القصص زيادة بيان في سماع الله كلامه موسى: انتهى بتصرف يسير.
وإليكم تفسير الآية على أَن منْ في النار ومَنْ حولها هو موسى والملائكة فما يلي:
فلما وصل موسى إِلى النار التي رآها وهو بجانب الطور، نودى نداءً إلهيًّا منبعثًا من الشجرة بأَنه بورك موسى الذي في بقعة النار، وبورك مَنْ حولها من الملائكة، وقيل لموسى: سبحان الله رب العالمين، تنزيهًا له - تعالى - عن أَنْ يشبهه شيءٌ من مخلوقاته، أَو يحيط به شيء من مصنوعاته فلا تكتنفه أرض ولا سماء، ولما وقف موسى مبهورًا متعجبًا من صدور الكلام عن النار، أَعلمه الله أَنه - سبحانه - هو المتكلم فقال:
9 - {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}:
الضمير في "إنَّهُ" للشأْن، والعزيز الحكيم وصفان للفظ الجلالة، ممهدان لما أُريد إِظهاره على يد موسى - عليه السلام - من المعجزة.