والمقصود من قوله تعالى: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ .... } إلخ بيان السبب في إضرارهم على الكفر، وعدم اننفاعهم بإنذار الرسول صلى الله عليه وسلم.
وليس المرادمن الختم على القلوب، والغشاوة على الأسماع والأبصار، المعنى الحقيقى لهما، إذ لا ختم في الحقيقة ولا غشاوة، بل المراد إنه تعالى تركهم وشانهم الذي اختاروه لأنفسهم من إِصرارهم على الكفر، وتركهم التذكر بقلوبهم وعقولهم، وصرفهم اشماعهم عن المواعظ وابصارهم عن آيات الله تعالى، فلم يلطف بهم ولم يهدهم، جزاءَ إصرارهم وسوء اختيارهم، كما يشير إليه قو له تعالى: { .. بَل طَبَع اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ (?) .. } وقوله: { ... كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (?)}. وقوله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (?)}
ونقل ابن كثير عن ابن جرير الطبرى في تفسير الآية أنه قال: والحق عندي في ذلك ما صح في نظيره الخبرُ عن رسوال الله -صلى الله عليه وسلم- وساق ابن جريرهذا الخبر بسنده عن ابى هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتةٌ سوداءُ في قلبه، فإن تاب ونَزَع واسْتَعْتَبَ (?) صُقِل قلبُه (?) وإن زاد زادت حتى تعلُوَ قلبه، فذلك الرانُ الذي قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (?)}.
قال ابن كثير: ثم قال ابن جرير: فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب اغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذالختم والطبع من قبل الله، فلا يكون للإيمان إليها مسلك؛ ولاللكفر عنها مخلص، فذلك هو الختم في قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ... } الآية: انتهى باختصار.
وخلاصة كلامه وكلامنا أن الكافر هو الذى تسبب في إظلام قلبه حتى انصرف عن الإيمان، وأن الرين هو ذلك الظلام المعنوي الذي حَجَبَ قلبه، بسبب انصر افه عن دواعى الإيمان، وان نسبة الختم إلى الله كناية عن تركه لهذا الظلام دون أَن يكشفه حتى يدخل الهدى في قلبه، بسبب إصراره.